هل تنجح واشنطن فيما عجزت باريس عن إنجازه في الساحل والصحراء؟
أنهت القوات الامريكية -إلى جانب 9 دول من 3 قارات- مناورات "الأسد الإفريقي 2021" يوم الجمعة الموافق 18 يونيو حزيران الحالي.
مناوراتٌ امتدت من أغادير والقنيطرة وسط وشمال المملكة المغربية نحو إقليم المحبس في منطقة الصحراء، لتختتم بذلك النسخة الـ 17 لهذه المناورات السنوية.
الحضور الامريكي في منطقة الساحل والصحراء لا يقتصر على المملكة المغربية؛ إذ عززت الولايات المتحدة الامريكية حضورها في المنطقة بإنشاء قاعدة عسكرية في الأراضي الموريتانية بالقرب من الحدود المالية عام 2012، وقدمت دعمًا لوجستيًا لعملية "برخان الفرنسية" في مالي التي انسحبت منها لاحقًا، لتقتصر العملية على فرنسا التي تواجه صعوبات متزايدة بعد سيطرة العسكريين على السلطة، وتغلغل النفوذ الروسي ليس في مالي وحدها، بل إفريقيا الوسطى أيضًا.
التحديات متنوعة في القارة الإفريقية، ولا سيما في منطقة الساحل والصحراء؛ فيوم أمس تعرضت دورية فرنسية من قوات "عملية برخان" لهجوم عنيف أوقع قتلى وجرحى في صفوف القوات الفرنسية التي ما تزال ناشطة على الأرض في منطقة الصحراء والساحل رغم إعلانها سابقًا تعليق نشاطاتها في مالي، وتجميد تعاونها مع العسكر.
الولايات المتحدة تبدي اهتمامًا متصاعدًا بمنطقة الساحل والصحراء، وترتكز إستراتيجيتها على دعم مؤتمر برلين الأول، والمؤتمر الثاني المقبل لحل النزاع في ليبيا، وتزداد انخرطًا في ملفات إقليمية بمشاركة بلينكن وزير الخارجية الامريكي في مؤتمر روما لمناقشة تهديد "داعش" في إفريقيا.
وعلى الأرجح، فإن أمريكا تبدي قدرًا أكبر من التفهم للرؤية الإيطالية على الفرنسية بشأن الأوضاع في القارة الأوروبية، خصوصًا أن النفوذ الفرنسي والأداء العسكري لم يحل دون تغلغل روسيا في ليبيا أو مالي أو تشاد أو إفريقيا الوسطى، حيث تملك فرنسا حضورًا عسكريًّا بارزًا وقويًا، وهو ما زاد الأمر سوءًا على سوءٍ كما هو واضح للعيان.
فالمخاوف الأمريكية لم تعد تقتصر على تغلغل النفوذ الروسي عبر علاقاتها مع مصر والجزائر التي يزور رئيس هيئة الأركان فيها الفريق سعيد شنقريحة اليوم الاثنين الموافق 21 يونيو/ حزيران موسكو للمشاركة في فعاليات الندوة التاسعة للأمن الدولي؛ ذلك أن أمريكا قلقة من نشاط شركة فاغنر في عدد من الدول، ومنها إفريقيا الوسطى وليبيا.
لكنَّ الأهم من ذلك كله نشاط الصين التي تمكنت إحدى شركات النفط فيها من إبرام عقد للتنقيب عن النفط في النيجر، وإنشاء خط أنابيب للنفط يمتد داخل بوركينا فاسو وتشاد ومالي؛ ففرنسا لم تعجز فقط عن مواجهة التمدد الروسي في مالي وإفريقيا الوسطى، بل فشلت أيضًا في وقف التمدد الاقتصادي الصيني في مناطق نفوذها الرئيسية في الساحل والصحراء، أو حتى في وقف الهجرة والتهريب التي أرهقت الإيطاليين، فرمال إفريقيا ابتلعت النفوذ الفرنسي لتتقدم كثبان النفوذ الاقتصادي الصيني.
منطقة الساحل والصحراء لم تعد مجرد منطقة رخوة أمنيًّا وسياسيًّا في خاصرة أوروبا وإفريقيا، وإنما تحولت أيضاً الى ثقب أسود يكاد يبتلع النفوذ الأوروبي والأمريكي في القارة لصالح النفوذ الصيني والروسي.
فهل تنجح السياسة والإستراتيجية الامريكية في استدراك الفشل في القارة الاوروبية؟ وهل ستكتفي واشنطن بمحاربة داعش والقاعدة وبوكو حرام، أم إن المواجهة ستتحول قريبًا إلى حروب بالوكالة؛ عبر شركات وقوى محلية مستفيدة من تجربتها في سوريا مع قوات قصد وغيرها، تحاور خصومها على طريقة "جيمس جيفري" والأم "آي 6" البريطانية مع الجولاني ؟!
إنها أسئلة محرجة، ولكنها محل مراقبة وفحص في إفريقيا ما يحتم على أمريكا الموازنة بين مصالحها وأدواتها في تنفيذ إستراتيجيتها المقبلة في إفريقيا.
السبيل