على أبواب نهوض سياسي شامل
بعد بداية مرتبكة وجدل حول الصيغة والهيكل التنظيمي وعضوية اللجان الفرعية وطريقة العمل والعلاقة مع الرأي العام وتداول المعلومات وانتشار الشائعات. عاد الوضع يستقر والرؤية تتناسق وجدول الأعمال يمضي بصورة مرتبة.
الجلسات الأولى للجان الست ( الانتخاب والأحزاب والشباب والنساء والادارة المحلية والتعديلات الدستورية) لمشروع تحديث المنظومة السياسية كانت أقرب لجولات أفق حول الموضوعات وجس نبض وتعبير عن هواجس واهتمامات واولويات دون الدخول منهجيا في لب الموضوعات والمقترحات. وكان هذا وسط مناخ عام لا يمكن وصفه بالمشجع والايجابي. لكن قبل ذلك وبعده فانعدام الثقة كان عاما والاحباط واسعا عند كل التلاوين والاطياف. وقلّة من الآراء الايجابية المشجعة كانت تطرح مقابل بحر من النقد والتشكيك. وهذا الجو بالذات خلق احساسا عارما بالمسؤولية والتحدي في اوساط اللجنة ومن بينهم ممثلو التيارات السياسية الاسلامية واليسارية والليبرالية فالفشل طعنة شخصية وسياسية لكل واحد منهم. أما أن تكليف اللجنة جاء محددا ولم يشمل كل شيء فهذه كانت ميزة وليست نقيصة لأنها تؤشر على جديّة التكليف لإنجاز شيء محدد في الوقت المحدد ينعكس على مستقبل البلد السياسي بصورة محددة مثل قانون الانتخاب الذي يحدد شكل مجلس النواب وإمكانية تطبيق مفهوم الحكومات البرلمانية المنتخبة. وكل عضو في اللجنة بما في ذلك أشد المحافظين لا بدّ يشعر بالمسؤولية ولا يستطيع خذلان جلالة الملك، ما دام قد قبل التكليف.
هذا الاسبوع تدخل اللجان في صلب الأمور بما في ذلك لجنة الانتخاب المكلفة بالمهمة العويصة لانجاز قانون انتخاب ينتشلنا من واقع لم يعد محتملا ابدا. المناخ السائد يقول ان الترقيع وتقديم تعديلات مجزوءة لم يعد مقبولا. ولم يعد أحد يريد ان يلعب دور المحافظ المعارض ما دام اساس التكليف الملكي الذي قبله هو التغييروالتحديث. وفي التغيير تتنوع الاجتهادات وايضا تتنوع التقديرات لما يعتبر ثوابت يجب الحفاظ عليها او تجاوزها ومن ذلك مثلا الكوتات. ونلاحظ حرصا واضحا على مراعاة كل الاعتبارات وضمان تمثيل كل الفئات فمثلا لا احد يتحدث عن الغاء تخصيص مقاعد للبادية بل عن انهاء صيغة الدوائر المغلقة. هناك توجه قوي لتحديث يذهب الى نظام انتخبات وطني حزبي سياسي شامل لكنه يراعى ضمان تمثيل الجميع وبطريقة مرضية تمنع انفجار الغام في وجه المشروع. توجه لنظام ينتج كتلا حزبية – سياسية – برامجية كما جاء في كتاب التكليف لكن تضمن بداخلها وجود كل المكونات، و- حسب أحد المداخلات - تحقق ادماجا سياسيا عاما لا يلغي التاريخ ولا يقفز عن الجغرافيا. كيف يترجم ذلك فنّيا وتقنيا في القانون ؟! هذه مهمة اللجنة التي يجب ان تنجح بها.
المهم نحن - على الأرجح – نتجه الى نهوض سياسي شامل يجب ان يتهيأ له الجميع وليس شرطا ان تجري الانتخابات غدا او بعد غدا يكفي الاعلان عن نتائج اللجنة لخلق جو سياسي جديد ويكفي اقرار القوانين من مجلس النواب لكي يبدأ حراك سياسي مجتمعي شامل للتعامل مع المستجدات والتهيؤ لانتخابات تقوم على اساس سياسي وحزبي شامل. فكل حزب وكل نائب وكل ناشط وكل شخصية عامة ستبحث عن موقعها وتموضعها في الخارطة السياسية الوطنية .. وللحديث صلة.
الدستور