حكومة "بينيت- لبيد".. أجندة اقتصادية وتعزيز للاستيطان بلا أفق سياسي

تم نشره السبت 10 تمّوز / يوليو 2021 12:51 صباحاً
حكومة "بينيت- لبيد".. أجندة اقتصادية وتعزيز للاستيطان بلا أفق سياسي
أشرف عثمان بدر

مدخل:
نجح يائير لبيد Yair Lapid رئيس حزب يوجد مستقبل (يش عتيد Yesh Atid) فيما فشل فيه بنيامين نتنياهو Benyamin Netenyahu (رئيس حزب الليكود Likud)، وهو تشكيل الحكومة الـ 36 منذ تأسيس "دولة إسرائيل" والمنبثقة عن الكنيست Knesset الـ 24.
فبعدما أقر نتيناهو بفشله، كلف الرئيس الإسرائيلي لبيد بتشكيل الحكومة، الذي قام بدوره بعقد سلسلة من الاتفاقيات الائتلافية مع سبعة أحزاب، القاسم المشترك بينها السعي للتخلص من حكم نتنياهو. تجاوز لبيد رغبته الشخصية في تولي رئاسة الحكومة من أجل تمرير هذا الاتفاق، وذلك بموافقته على التناوب مع نفتالي بينيت Naftali Bennett (رئيس حزب يمينا Right Party) على رئاسة الحكومة، على أن يتولاها أولاً بينيت، وحتى تاريخ 2023/8/27، على الرغم من أنّ حزب بينيت لم يحصل في انتخابات الكنيست إلا على 7 مقاعد من أصل 120 (وقد غادر عضو من الحزب احتجاجاً على الاتفاق ليصبح عدد أعضاء يمينا في الكنيست ستة).
تهدف هذه الورقة إلى التعرف على أبرز توجهات حكومة بينيت – لبيد، والسياسات المتوقع انتهاجها في الفترة القادمة، وذلك بالاستناد على دراسة وتحليل الخطوط العريضة للحكومة، بالإضافة إلى الاتفاقيات الائتلافية والملاحق التي تمّ نشرها باللغة العبرية على موقع الكنيست الإسرائيلي، والتي جاءت على شكل اتفاقيات ثنائية بين الحزب المكلف بتشكيل الحكومة (يوجد مستقبل)، وباقي أحزاب الائتلاف الحكومي.
قسمت الورقة إلى مدخل ومحورين أساسيين؛ محور هيكلية الحكومة وتوزيع المناصب، ومحور الخطوط العريضة للحكومة والاتفاقيات الائتلافية، الذي يتفرع إلى: المحور الاقتصادي والاجتماعي، وعلاقة الدِّين بـ"الدولة"، والعلاقة مع مناطق 1967، والتمييز الممأسس، ومشاريع قوانين. وتنتهي الورقة بالسيناريوهات المتوقعة لمستقبل الحكومة.
أولاً: هيكلية الحكومة وتوزيع المناصب:
حصل الائتلاف الحكومي على أغلبية ضئيلة خلال التصويت على منحه الثقة في الكنيست، فقد فاز بأصوات 60 عضواً من أصل 120، وذلك بعدما امتنع أحد أعضاء العربية الموحدة عن التصويت احتجاجاً على توزيع المناصب، في مقابل معارضة 59 عضواً من بينهم أعضاء القائمة العربية المشتركة.
يتشكل الائتلاف الحكومي من تكتلين، تكتل يمينا الذي يضم "يمينا" وحزب أمل جديد New Hope، وتكتل "يوجد مستقبل" الذي يضم أزرق أبيض Blue and White، والعمل Labor Party، و"إسرائيل بيتنا (يسرائيل بيتينو Yisrael Beitenu)"، وميرتس Meretz. نص الاتفاق بين "يمينا" و"يوجد مستقبل" على إمكانية تعطيل اتخاذ أي قرار لا يوافق عليه وزراء أي تكتل (بشكل جماعي)، وهذا يعني قدرة تكتل يمينا الممثل بسبعة وزراء من مجموع 27 على تعطيل اتخاذ أي قرار. علاوة على ذلك يتمثل تكتل يمينا بشكل متساوٍ مع تكتل يوجد مستقبل في المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية (كابينت) Political-Security Cabinet، والمكون من 12 عضواً، وهذا يمنح تكتل يمينا قوة وقدرة على تنفيذ أجندته وعدم الرضوخ لرأي باقي أعضاء الحكومة في حال وجود خلاف بين التكتلين. ويوضح الجدول التالي توزيع الوزارات في الحكومة بحسب الحزب، مع الإشارة إلى عدد أعضائه بالكنيست والمناصب واللجان التي سيتولاها.
(للاطلاع على الجدول مراجعة نص الدراسة على موقع المركز)
ثانياً: الخطوط العريضة للحكومة والاتفاقيات الائتلافية:
يبرز دافعَان أساسيان لتشكيل الائتلاف الحكومي تمّ إيرادهما في مقدمة الخطوط العريضة للحكومة والاتفاقيات الائتلافية، عبر الإشارة إلى الأزمة التي عانت منها الحياة السياسية الإسرائيلية والممتدة على مدار سنتين، وبهدف تجنب الذهاب إلى انتخابات خامسة، علاوة على الأزمة الاقتصادية الناتجة عن كورونا. وبحسب ما ورد في المقدمة، فإنّ الائتلاف الحكومي سيسعى لرفع المستوى الاقتصادي، بالتركيز على الأمن والصحة والاقتصاد، مع تخصيص فقرة تنص على السعي لزيادة نمو وازدهار القدس كعاصمة لـ"إسرائيل"، وزيادة البناء الاستيطاني فيها، مع العمل على استكمال نقل المكاتب الحكومية إليها. علاوة على توطيد العلاقة مع يهود العالم، والاهتمام بـ"الهجرة اليهودية" وتشجيعها. وفي الاتفاق مع حزب أزرق أبيض نجد بند 13 الذي ينص على استيعاب يهود إثيوبيا خلال ثلاث سنوات.
يمكننا القول بأنّ الخطوط العريضة وبنود الاتفاقيات قد توزعت على خمسة محاور: المحور الاقتصادي والاجتماعي، وعلاقة الدِّين بـ"الدولة"، والعلاقة مع الأرض المحتلة 1967، والتمييز الممأسس، ومشاريع قوانين. وفيا يلي التفاصيل:
1. المحور الاقتصادي والاجتماعي:
يتصدر الاهتمام بالجانب الاقتصادي والاجتماعي جدول أعمال الحكومة، عبر السعي إلى زيادة العاملين في مجال الهاي تيك High Tech إلى 15% حتى سنة 2026 من مجموع العاملين (كما ورد في البند 3 من الخطوط العريضة). والتعهد ببناء مستشفى في النقب وآخر في الجليل بالإضافة إلى مطار إضافي (البند 4 من الخطوط). على صعيد أزمة السكن والعمل على حلها، وضعت الحكومة هدفاً لها بناء 300 ألف وحدة سكنية (البند 11 من الخطوط). وفيما يتعلق بالصحة تقرر تخصيص زيادة سنوية بنسبة 1.65% في ميزانية الخدمات الصحية (البند 18 من الخطوط). وبالنسبة للتعليم العالي يتم إعفاء بعض التخصصات المطلوبة من الرسوم. وأخيراً فيما يتعلق بالمصالح التجارية والقطاع السياحي (الفنادق والمطاعم)، التي تضررت نتيجة حملة "حارس الأسوار" (معركة سيف القدس)، فسيتم دعمها مالياً. وقد نص الاتفاق مع أزرق أبيض في البند 20 على الاهتمام برفع المستوى الاقتصادي ورفاهية مستوطنات غلاف غزة وأشكلون (عسقلان)، علاوة على تطوير منطقة الشمال، كما ورد في البند 33 في الاتفاق مع حزب أمل جديد.
2. علاقة الدِّين بـ"الدولة":
تؤشر مقدمة وثيقة الخطوط العريضة على وجود تراجع عن قانون "القومية" أو "يهودية الدولة"، من خلال عدم الإشارة إليه، وإنما التركيز على معالجة الشروخ الموجودة في المجتمع الإسرائيلي على أساس أنها "دولة يهودية ديموقراطية" بالاستناد على وثيقة "الاستقلال". فيما يشير البند 16 إلى أنّ علاقة الدِّين بـ"الدولة" تكون حسب توافق أغلبية الشعب، وهذه إشارة ضمنية إلى عدم إنفاذ قانون "يهودية الدولة"، وإنما العمل بحسب الآلية التي جرى تنفيذها عبر العقود السابقة والقائمة على التمييز العنصري، لكن دون التصريح بذلك عبر التبني الصارخ لـ"يهودية الدولة".
توجد محاولة لـ"علمنة الدولة" بادر إليها بعض أحزاب الائتلاف الحكومي، نجد ذلك في الاتفاقيات الموقعة بين يوجد مستقبل، وكل من ميرتس، والعمل، وأرزق أبيض، و"إسرائيل بيتنا"، والتي نصت على العمل من أجل المحافظة على حقوق المثليين والاعتراف بحقهم في الزواج. علاوة على تطوير المواصلات العامة والسماح لها بالحركة يوم السبت، وكذلك تعديل القانون الحالي الذي يسمح للسلطة المحلية بفرض إغلاق المحلات يوم السبت، بحيث يسمح بفتحها دون الحاجة لموافقة السلطة المحلية. وكذلك تنفيذ اتفاقية "حائط المبكى" التي تمّ سنّها سنة 2016، والتي تنص على الصلاة المختلطة (رجال ونساء) في ساحة المبكى (البراق)، بحيث يكون في ساحة المبكى ثلاثة أماكن للصلاة، إحداها للرجال، والأخرى للنساء، والثالثة مختلطة.
من المشكوك فيه قدرة تكتل يوجد مستقبل على تمرير هذه القوانين والقرارات على ضوء البند الموقع مع يمينا، والذي يعطيه حق النقض (الفيتو Veto) على أي قرار لا يتوافق معه. علاوة على ذلك نجد بندَين واضحَين وصريحَين في الاتفاق مع يمينا (23 و24)، ينصان على المحافظة على الوضع القائم فيما يتعلق بعلاقة الدِّين بـ"الدولة" والتهود والزواج. مع الأخذ بعين الاعتبار أن إفشال يمينا لمثل هذه القرارات يتطلب التوافق مع حزب أمل جديد، علماً بأن الاتفاق الموقع مع أمل جديد لم يتطرق إلى أي من القرارات المذكورة، وظلَّت مسكوتاً عنها، لكن انتماء أمل جديد لليمين المتطرف، يدفعنا لترجيح عدم موافقته على هذه القرارات وانحيازه ليمينا، وذلك حتى يحافظ على جمهور ناخبيه وخزان أصواته.
3. العلاقة مع الأرض المحتلة 1967:
تتجاهل الخطوط العريضة للحكومة وجود السلطة الفلسطينة بشكل تام، فلا نجد أي إشارة لها أو لوجودها أو الموقف منها، أو حتى للعملية السلمية. وإنما يتم الإشارة في البند 6 إلى المحافظة على الأمن بالسعي لـ"السلام"، ومن خلال تقوية وزارة الخارجية. وهذا يعني ضمناً عدم إيلاء المفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة أي اهتمام، والتركيز على بناء علاقات مع الدول على العربية على أساس تحقيق الأمن لـ"إسرائيل"، لا على أساس تحقيق "السلام". هنالك إشارة خجولة وغير مباشرة إلى العملية السلمية نجدها في البند 14 من الاتفاقية مع ميرتس، والتي تنص على الامتناع عن خطوات أحادية فيما يتعلق بالمسار السياسي، يستشف من البند الحاجة للتنسيق مع السلطة الفلسطينية في أي حلّ سياسي يطرح، وعدم القيام بخطوات أحادية كتنفيذ عملية الضم. يجب الأخذ بعين الاعتبار بأنّ ذلك موقف فردي لحزب ميرتس ولا يمثل بقية أحزاب الائتلاف، وحتى ميرتس يعد منخرطاً في دعم الاستيطان وتعزيزه في الضفة الغربية، بموافقته على البند 22 من الخطوط العريضة للحكومة، والذي ينص على توفير دعم لجامعة مستوطنة أريل Ariel المتواجدة هناك.
يبرز في الاتفاقيات الثنائية الاهتمام بالمناطق المصنفة ج، والتي تشكل نحو 16% من أراضي الضفة الغربية، نجد ذلك في الاتفاقيات الموقعة مع يمينا (بند 29)، وأمل جديد (بند 34)، وأزرق أبيض (بند 33)، و"إسرائيل بيتنا" (بند 23)، والتي تنص على المحافظة على المصالح الإسرائيلية في مناطق ج، وبالتالي يخصص لمكتب الإدارة المدنية في وزارة الدفاع الموارد اللازمة لضبط خروقات البناء، والسيطرة "غير القانونية" على الأرض في مناطق ج. وهذا يعطينا مؤشراً على أن المرحلة القادمة ستشهد تضييقاً على سكان مناطق ج، وخصوصاً المزارعين في مناطق الأغوار ورعاة الأغنام، بذريعة سيطرتهم "غير القانونية" على الأراضي التي تصنف معظمها كأراضي "دولة" تابعة للاحتلال.
توجد خطة لتعزيز الاستيطان في مناطق الضفة الغربية نجدها بين ثنايا الاتفاقيات الثنائية، من بينها البند 35 من الاتفاق مع أمل جديد، والذي ينص على وضع خطة عامة لإنشاء الطرق في الضفة الغربية "يهودا وشمرون" وغور الأردن، بحيث يتم الانتهاء من وضع الخطط حتى نهاية 2021، وذلك على هامش الخطة الخمسية لوزارة المواصلات، الهدف المعلن للخطة الخمسية هو خدمة سكان "يهودا وشمرون"، المقصود هو خدمة المستوطنين اليهود فيها. وهذا يعني ضمناً مصادرة المئات إن لم يكن الآلاف من الدونمات من أراضي الضفة الغربية وخصوصاً في المناطق ج، بذريعة إنشاء طرق جديدة.
يضاف إلى خطة الطرق ما ورد في البند 37 من الاتفاق مع أمل جديد على وضع خطة “وطنية” للحفاظ على المواقع "الأثرية". وهذا أيضاً أسلوب ملتف لتعزيز السيطرة على مناطق ج، فالمقصود بالمناطق الأثرية بحسب التصنيفات الإسرائيلية، المناطق المذكورة بالتوراة أو التراث الديني اليهودي، ومعظم هذه المواقع "الأثرية" متواجدة في مناطق ج، لذلك من المتوقع تعزيز السيطرة على هذه المناطق.
4. التمييز المُمأسس:
يمكننا الادعاء بأن الخطوط العريضة للحكومة والاتفاقية الموقَّعة مع القائمة العربية الموحدة تمثل دليلاً على التمييز والإقصاء الممأسس في الكيان الإسرائيلي، تجاه السكان الأصليين من العرب. وبالرغم من تضمين الخطوط العريضة بند 13 الذي ينص على تقوية الشرطة والقضاء على الجريمة في الوسط العربي، والذي يبدو في ظاهره محاولة لرفع التمييز عن العرب، إلا أنه دليل على أن محاربة الجريمة لم يكن يوماً على رأس جدول اهتمامات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، ما دامت هذه الجريمة والعنف الناتج عنها يحصد أرواح العرب، يجب الانتباه هنا إلى أنّ الدافع الحقيقي لإيراد هذا البند لا يتمثل في السعي لرفع الظلم عن العرب، وإنما تعزيز وإحكام السيطرة عليهم. فمن الاستخلاصات الأولية لمعركة سيف القدس والتي انتشرت عبر وسائل الإعلام العبرية، تحول سلاح الجريمة نحو "مقاومة" المستوطنين اليهود، علاوة على ضعف جهاز الشرطة وعدم قدرته على السيطرة، تمثل ذلك في عدم قدرته على قمع المظاهرات في اللد، مما دفع الحكومة الإسرائيلية للزج بعناصر الجيش لضبط الأمور، كل ذلك دفع بعض الإسرائيليين للتوصية بتقوية جهاز الشرطة، من أجل السيطرة على أي مواجهات أو مظاهرات مستقبلية، والقضاء على الجريمة المنظمة في الوسط العربي، حتى لا يتحول سلاحها في أي مواجهه قادمة مع المقاومة نحو الإسرائيليين.
صحيح أن القائمة الموحدة قد حصّلت بعض الإنجازات، لكنها في الحقيقة "حقوق" تمّ حرمان العرب منها وليست "امتيازات". يرد في الاتفاقية بند 8 الذي ينص على وضع خطة خمسية (حتى 2026) لتقليص الفوارق مع المجتمع العربي، يخصص لها 30 مليار شيكل (نحو 9 مليارات دولار)، [4] وهذا إقرار ضمني بوجود فوارق بين المجتمع العربي والمجتمع اليهودي في "إسرائيل". كما تنص الاتفاقية في البند 9 على وضع خطة خمسية للقضاء على العنف والجريمة بميزانية مقدراها 2.5 مليار شيكل (نحو 766 مليون دولار) على مدى 5 سنوات، ووضع خطة استراتيجية لمحور أيالون Ayalon بمبلغ 20 مليار شيكل (نحو 6 مليارات دولار) (حتى 2030) للمواصلات بين المدن العربية (بند 10)، والعمل على توفير تمثيل ملائم للعرب في الوظائف الحكومية (البند 12). نلاحظ هنا استخدام مصطلح مطاطي "ملائم" وليس عادل أو مساوي لنسبتهم في المجتمع، في إشارة إلى عدم وجود تمثيل "ملائم" للعرب في الوظائف الحكومية.
يمس التمييز أيضاً مشاريع الإسكان، فقد نص البند 14 على بناء 10 الآف وحدة سكنية سنوياً في الوسط العربي، بمعنى 40 ألف وحدة سكنية خلال فترة ولاية الحكومة على مدار 4 سنوات، بينما تعهدت الحكومة في خطوطها العريضة على بناء 300 ألف وحدة سكنية، وهذا يعني أن العرب الذي يشكلون نحو 20% من المجتمع في "إسرائيل"، سيحصلون على نحو 13% فقط من وحدات الإسكان (هذا إن تمّ تنفيذها).
استطاعت القائمة الموحدة الحصول على تعهد بالاعتراف بثلاث قرى عربية، أما بالنسبة لقانون "كامينتس" Kaminitz Law وبحسب البند 18، تقرر تمديد قرار تجميده حتى سنة 2024، وإلغاء الغرامات مع تعهد بتعديل القانون. لكن يجب أن الانتباه إلى أن قانون "كيمنتس" الذي تمّ تمريره في الكنيست في 2017/4/5، يقوم على تعديل فصل الإنفاذ والعقاب من قانون التخطيط والبناء، وكذلك تعديل العديد من القوانين الأخرى، بهدف زيادة الإنفاذ ضدّ ما يُسمى "جرائم البناء". ويتضمن زيادة العقوبات التي يمكن فرضها على مرتكبي "جرائم" البناء غير المرخص، وتسهيل الأدوات الإدارية التي تسمح بهدم البناء غير القانوني. وتمنح أحكام القانون موظفاً إدارياً صغيراً صلاحية الاتهام وإصدار الحكم وفرض الغرامة، التي تفوق غرامات المحاكم بخمسة أضعاف وتصل إلى 300 ألف شيكل (نحو 92 ألف دولار). وقد اعترفت أييلت شاكيد Ayelet Shaked (وزيرة العدل السابق) بأنّ القانون مخصص للعرب، ولأنّ مستوطني "الموشافيم Moshavim" أ[5] تضرروا من هذا القانون، فقد قام نتنياهو بتجميده في الموشافيم فقط، وهذا يفسر موافقة نتنياهو على تجميد القانون ومحاولة تعديله.[6]
يبرز الاستعلاء والفوقية الاستعمارية في بنود الاتفاقية مع القائمة الموحدة، فجميع الكتل المنضمة للائتلاف الحكومي وضعت ضمن اتفاقياتها بنداً ينص على عدم انضمام أي قائمة برلمانية للحكومة بدون موافقة الكتلة، إلا العربية الموحدة لا نجد أي بند ينص على ذلك، بمعنى يحق لأي حزب منضم للائتلاف الحكومي الاعتراض على انضمام حزب جديد للائتلاف ما عدا الموحدة التي لا يوجد أي بند يمنحها هذا الحق. علاوة على ذلك فإن الموحدة هي الكتلة الوحيدة في الائتلاف الحكومي التي لا يوجد لها تمثيل في المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية، ولجنة الخارجية والأمن في الكنيست. مما يعيد إلى ذاكرتنا ما درجت عليه المؤسسة من اعتبار العرب بمثابة "طابور خامس". وحتى المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر للشؤون الاجتماعية الاقتصادية Socio-Economic Cabinet لا يوجد تمثيل للموحده فيه، فعلى الرغم من أن الحكومة ما كانت لتقوم بدون دعم الموحدة، إلا أنّها بقيت في نظر المؤسسة الإسرائيلية ممثلة لمواطنين من الدرجة الثانية، لا يحق لهم المشاركة في وضع السياسات.
5. مشاريع قوانين:
احتوت الخطوط العريضة للحكومة على حزمة مشاريع قوانين سيقدمها الائتلاف الحكومي للكنيست من أجل تمريرها، في مقدمتها قانون يجعل السقف الأعلى لشغل منصب رئيس الوزراء 8 سنوات متتالية (البند 8)، والذي يمكننا أن نطلق عليه "قانون نتنياهو"، فالهدف من القانون عدم تكرر ظاهرة نتنياهو الذي استمر في شغل منصب رئيس الوزراء مدة 12 عاماً، مما صنع منه ما يشبه "الملك".
يضاف إلى "قانون نتنياهو" ما ورد في البند 17 بالعمل على سن قانون التجنيد بحسب ما أقر بالقراءة الأولى في الكنيست الـ 20، والذي ينص على إمكانية استبدال الخدمة الوطنية بالخدمة العسكرية لبعض فئات الشعب، والمقصود ببعض فئات الشعب هم العرب والحريديم Haredim. وقد أثار هذا القانون في حينه ضجة عند الحريديم، الذين يتهربون من التجنيد الإجباري في الجيش بذريعة دراسة التوراة. ينبع الحرص على سنّ هذا القانون من تطلع الأحزاب غير الدينية إلى فرض معادلة "المساواة بالعبء" التي لطالما طمح لها العلمانيون في "المجتمع الإسرائيلي"، فهنالك شعور عام لديهم بأنّ المتدينين يحصلون على امتيازات مالية، وفي الوقت نفسه يعفون من التجنيد، وهذا مخالف للمساواة بين مواطني الدولة.
واستمراراً للعُرف الذي سنته حكومة نتنياهو، وكمحاولة استباقية لتفكيك لغم قد يفجر الائتلاف الحكومي، نص البند 10 من الاتفاق مع يمينا على أن إقرار الميزانية يكون لسنتين، وفي حال الخلاف حولها يحسم الخلاف رئيسُ الوزراء ويتخذ بها قراراً خلال 30 يوماً. وهذه محاولة استباقية حتى لا يتفكك الائتلاف الحكومي، فلطالما كان الخلاف حول إقرار الميزانية سبباً في انهيار الحكومات الإسرائيلية. إن هذا الاتفاق يُسهِّل باستمرار الحكومة على الأقل لمدة سنتين، دون أن تتفكك بسبب الخلاف حول الميزانية.
يوجد بعض مشاريع القوانين التي نصت عليها الاتفاقات الثنائية مع الأحزاب من المتوقع أن تمر عبر التصويت دون معارضة جدية، منها ما يرد في البند 30 من الاتفاق مع أمل جديد بسن قانون تنظيم حيازة القنب الطبي وعدم تجريمه، بالإضافة إلى معالجة الإدمان. وكذلك ما وقع عليه حزب العمل في البند 14 من اقتراح قانون زيادة إجازة الولادة، واقتراح قانون يوفر بديلاً لسجن النساء الحوامل والأمهات في البند 20.
ثالثاً: السيناريوهات المتوقعة لمستقبل الحكومة:
هنالك سيناريوهين رئيسيين متوقعين لمستقبل الحكومة، وهما استمرار الحكومة وتفككها، الذي يتفرع إلى احتمالين:
1. سيناريو إكمال مدة الحكومة:
يبقى هذا السيناريو وارداً وإن كان مستبعداً، بسبب التناقضات بين أطراف الائتلاف الحكومي. ومن الأمور التي قد تسهم في تحقق هذا السيناريو المستبعد، إصرار نتنياهو على عدم مغادرة الحياة السياسية وقيادة المعارضة من أجل إسقاط الحكومة، وذلك بعكس ما جرت عليه العادة في الأحزاب الإسرائيلية، التي يقوم فيها رئيس الحزب الذي يفشل في تشكيل الحكومة بالتنحي وإفساح المجال لتصعيد قيادة جديدة عبر الانتخابات الداخلية. إن إصرار نتنياهو على البقاء في الحياة السياسية سيمد الحكومة بأحد أسباب وجودها، فالخشية من عودة نتنياهو ستدفع الفرقاء في الائتلاف الحكومي لمزيد من التماسك والحرص على عدم انفراط عقد الحكومة، إلا إذا تنحى نتنياهو بإرادته عن قيادة الليكود، أو أجبر على ذلك عبر انتخابات داخلية، وقتئذ سيكون من المرجح مع أول أزمة في الائتلاف الحاكم، انفراط عقدها، وعودة حزبي أمل جديد ويمينا إلى حاضنتهما الطبيعية وهي حزب تكتل الليكود.
2. سيناريو انهيار الحكومة:
ينقسم هذا السيناريو إلى احتمالين رئيسيين:
أ. انهيار سريع للحكومة: بحيث لا تكمل الحكومة عدة أشهر. يبقى هذا الاحتمال وارداً وإن كانت المؤشرات لا تفيد بذلك، فعلى الرغم من الألغام التي وضعها نتنياهو في وجه الحكومة كمسيرة الأعلام في القدس، وإخلاء العائلات الفلسطينية في حي الشيخ جراح، وكذلك بعض البؤر الاستيطانية، إلا أنه من المتوقع أن تتجاوز الحكومة هذه الأزمات بأقل الخسائر، وتستمر في أداء عملها ما لم يحدث شيء دراماتيكي كاندلاع حرب مع المقاومة في قطاع غزة، فمن المستبعد وقتئذ استمرار القائمة الموحدة في ائتلاف حكومي يشن حرباً على قطاع غزة يقتل السكان ويدمر البيوت.
ب. انهيار الحكومة خلال الفترة الأولى: بمعنى انهيار الحكومة خلال سنتين أي في فترة بينيت وقبل استلام لبيد، ولكن بعد مرور بضعة أشهر، وهذا سيناريو مرجح. فإن تجاوزت الحكومة خلافاتها وأقرت الميزانية، فلن تسلم من التناقضات الأخرى المتعلقة بالموقف من المتدينين وعلاقة الدِّين بـ"الدولة"، والأهم من ذلك من المتوقع في حال لم يتم فك الحصار عن قطاع غزة، تجدد المواجهة واندلاع حرب جديدة، وفي هذه الحالة من المتوقع انسحاب الموحدة من الائتلاف الحكومي، ولربما ميرتس.
الخلاصة:
على الرغم من التناقضات الأيديولوجية والاجتماعية بين أعضاء الائتلاف الحكومي، إلا أن الصمغ اللاصق بينها، وهو معاداة نتنياهو، ما زال قائماً، مما سيكون دافع للاستمرار في هذا الائتلاف. ومن المتوقع ألا يدخر نتنياهو جهداً لتفكيك هذا الائتلاف عبر افتعال الأزمات ووضع العراقيل أمامه، برز ذلك في اللافتات التي وضعها المستوطنون أمام بيت بينيت والتي تذكره بمقولاته حول تصفية قيادة المقاومة في قطاع غزة، في محاولة لجرِّه لمواجهة مع المقاومة، قد تؤدي سياسياً إلى تفكك الائتلاف الحاكم.
تمتاز هذه الحكومة بأجندتها الاجتماعية والاقتصادية، وحرصها على الشأن الاقتصادي، دون النظر باهتمام إلى العملية السلمية، وهذا سيعطيها مبرراً إضافياً لاستمرار وجودها، إلا أنه وبالرغم من تنوع ألوان المشاركين بها لا تخفي هذه الحكومة تطلعها لتعزيز الاستيطان وإحكام السيطرة على القدس، وهذا تناقض قد تدفع حياتها ثمناً له، ففي الوقت الذي سيسعى فيه بينيت لتعزيز الاستيطان حتى يدفع عن نفسه تهمة الارتماء في أحضان اليسار، قد يكون ذلك سبباً في تفجر الأوضاع الأمنية من جديد، ومن ثَمَّ تفجير الائتلاف الحاكم.

إعداد: أشرف عثمان بدر/ خاص بمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات- بيروت

السبيل



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات