التسلل إلى جيب الأردني!
يتألم المواطن حين يشعر أن الدولة تتحايل وتتصنع الأسباب لتمد يدها الى جيبه، لا أن تأخذ منه الرسوم لمجرد توفير المال اللازم لتقديم الخدمات، ويغدو الأمر أشبه بلعبة القط والفأر، حين تورط الدولة المواطن في متاهة طويلة من الضرائب والرسوم بطريقة منفرة ومستفزة.
من الأمثلة قضية اشتراك المؤسسات بالضمان الاجتماعي؛ فمن السهولة بمكان أن يقوم موظف في مؤسسة ما بالانضمام الى الضمان بكل سهولة دون علم وموافقة مالك المؤسسة وتوريطه إن جاز التعبير، لكن إذا أراد المالك الخروج من هذه الورطة التي أوقعه فيها الموظف، بتوقيع صغير منه، كما حدث معنا منذ سنوات عديدة، ليدخل الورثة في معاناة طويلة من دفع الرسوم وإحضار الإثباتات القانونية وبراءات الذمة وجلب الشهود ومحاضر تحقيق، لندرك حينها أن الحكومة قد استدرجته ليقع في المصيدة، التي لا خلاص منها إلا بشق الأنفس.
إنه لأمر مؤلم ومحزن للغاية وجود هكذا سياسات وتشريعات، تدفع المواطن الى الإحساس بالاغتراب، وتجعله يتمنى لو أنه لم يسجل لمشروع صغير أو باب لتحصيل الرزق، أو أن يترك خلفه لورثته أي ملكية تجارية مسجلة باسمه.
ويزداد الأمر استفزازا حينما تسمع التصريحات الحكومية، التي تنطلق بين حين وآخر، مؤكدة ضرورة تسريع إنجاز معاملات المواطنين وإزالة أي عقبات بيروقراطية، مع صمت مطبق عن الحديث عن توريط المواطن وتكبيده رسوماً وضرائب فادحة، والمواطن بدوره يدرك أن قضاءه نصف ساعة، على سبيل المثال، في إنجاز معاملة معينة، ليس إلا طعماً لتوريطه لاحقاً في تعقيدات عديدة، مما سيجعله يحجم عن الخوض في الأمر من الأصل، وهو ما ستكون له عواقبه الوخيمة على اقتصاد الدولة ككل.
لا بد أن يكون هناك قدر معقول من الانسجام والتوازن، ما بين سهولة إنجاز المعاملة من جهة وما يتكبده المواطن من عبء مالي للحصول عليها، وأي إجراءات لاحقة قد يضطر إليها، فلماذا يكون هناك قدر كبير من التسهيل في الدخول، في مقابل تعقيد مفرط في الخروج في ازدواجية رسمية خبيثة؟!
ومن بين السياسات الجائرة في هذا الإطار ما وجدته في مؤسسة الضمان الاجتماعي أيضًا حينما يستعجلون الحجز على المؤسسات التجارية؛ بسبب تقصير أو إهمال أو حتى إجراء قانوني أو خطأ ارتكبه أحد الموظفين في شمول حجز مؤسسة أخرى باسم المالك، كما لو أن هناك تحرياً لأبسط الأخطاء وتوريط المواطن في مصيدة لا فكاك منها.
أين الشفافية في المعاملات الرسمية، وما تستلزمه من وثائق ورسوم؟ وما هي الإجراءات المتبعة لتصحيح أي أخطاء قد تقع، أو العراقيل والموانع التي تقف دون إنجاز معاملة ما أو حتى اعلام المالك بكل التحديات بشكل مسبق؟ وأين الكشف عن احصائيات تبين التحديات ومواطن الفشل التي قد يقع فيها المواطن دون أن يدرك ذلك منذ البداية؟!
إن المعاناة التي يعيشها بعض المراجعين في مؤسسات الجباية الأردنية يمكن الكشف عن جزء منها بما يطلق عليه استطلاعات رأي الخروج Exit Surveys المشهورة في مجالات أخرى، ويمكن تطبيقها على من فرغوا من إنجاز المعاملات الرسمية، والتي بإمكانها الكشف عما هو مسكوت عنه، وعن حقيقة مشاعر المواطنين وغضبهم من تجربتهم، في سبيل استكشاف السلبيات والعمل على إصلاحها، بما يحقق علاقة صحية وإيجابية بين المواطنين والمؤسسات الحكومية.
تهتم بعض الجهات الدولية بتطوير بيئة الأعمال مثل البنك الدولي، في محاولة تقديم توصيات لتسهيل القيام بالأعمال، تأسيساً وخروجاً وغيرها من القضايا، مثل مؤشر الثقة بالأعمال Business confidence index (BCI) ومؤشر سهولة الأعمال، Ease of Doing Business والذي حاز الأردن فيها ترتيب 75 من بين 190 في مؤشر 2019 حيث تم تصنيف الاقتصادات حسب سهولة ممارسة الأعمال التجارية، كل منها يتكون من عدة محاور، والتي منها حل مشكلة الإفلاس حتى لا تكثر السكاكين على المواطن ومشروعه.
السبيل