تونس.. ثورة برسم التحصيل
الرئيس التونسي قيس سعّيد في مواجهة حاسمة مع حزب النهضة بزعامة راشد الغنوشي، بعد قراراته بتجميد عمل البرلمان وتعطيل الحكومة،فهو يقود ثورة على ثورة اوصلته إلى سدة الحكم في انتخابات حرة عام 2019م،وثورته برسم التحصيل خاصة أن قوى داخلية مناهضة له، والخوف من تراجع المؤسسة العسكرية عن دعمه.
قوة الرئيس سعّيد تكمن في أنه مستقل ولا يتبع أي حزب سياسي، كما أن المؤسستين العسكرية والامنية تقف حتى هذه اللحظة إلى جانبه، ولا يوجد ضغط أمريكي أو أوروبي ضده، ونجاح ثورته يحتاج إلى سرعة في تشكيل حكومة جديدة تدير البلاد، والخوف يبقى قائما من انقلاب عليه، وهنا يحتاج إلى رصيد شعبي ليصار إلى تجاوز رسم التحصيل،وهناك ثلاث قوى تعمل على افشاله يقودها أكبر حزبين هما النهضة وقلب تونس إلى جانب قوى حزبية أخرى، وتصريحات رئيس الحكومة المشيشي باستعداده تسليم رئاسة الحكومة لمن يكلفه الرئيس هو بمثابة إنتصار له، فالفرصة أمامه قابلة للتحصيل والانتقال إلى خطوات أخرى تمكنه من كسر ذراع النهضة وتحالفاتها.
ثورة الرئيس سعّيد ما زالت برسم التحصيل، فالمشهد السياسي قد ينقلب ضده، وهناك أصوات تنادي باسقاطه وتتحرك لافشاله،ولا يجوز التقليل من قوة خصومه، وتأثير ما سينتج عن ثورته سوف يطال جواره في ليبيا، وسوف يكون لذلك صورة مناقضة لما حدث في دول عربية أخرى، فالحراكات الحزبية والسياسية ما زال طابعها سلميا، واستمرارها واطالة أمد المرحلة الراهنة حتما سيكون ضده، والحسم في النهاية بيد الجيش والقوى الأمنية التي نفذت قراراته وانحازت إليه.
حركة النهضة ترى أن خطوات الرئيس سعّيد هي انقلاب على الدستور وبلا شرعية، متمسكة بأن يبقى البرلمان في حالة انعقاد دائم، وهي تعمل على التثوير الشعبي لاجباره على التراجع عن قراراته، وإعادة المسار السياسي الديمقراطي إلى سياقه الطبيعي، ومما يحسب له عدم قيامه باعتقالات في صفوف خصومه أو إجراءات تعسفية ضد معارضيه، مما أوجد شريحة سياسية تؤيده وساهم في تخفيف الضغط الشعبي عليه.
واشنطن تتابع ما جرى في تونس، واجرت إتصالات مع كبار الساسة وجنرالات الجيش وبدأ أنها لا ترى فيما حدث انقلابا بل تصحيحا لمسار ديمقراطي، والناطقة بأسم ألبيت الأبيض أظهرت موقفا ايجابيا لما حدث في تونس كما أبدت تشجيعا لاستكمال خطوات الرئيس سعّيد، وهذا يفسر وجود غطاء دولي وتنسيق إقليمي وقبول شعبي داخلي لاجراءاته بإخراج النهضة وتحالفاتها من المشهد السياسي التونسي أو على الأقل تصفية حضورها في مفاصل الدولة والنظام التونسي.
تونس كانت البداية في انطلاق ما سمّي ثورات الربيع العربي في 2011م، ويبدو أن ما يجري بها اليوم هو نهايات البداية، ولكن ما زال مبكرا الحديث عن إنتصار الرئيس سعّيد على خصمه الأول الغنوشي، وبكل الأحوال فإن الفوضى شبح يطارد التونسيون هذه الأيام، والمواجهات بالحجارة على خفتها قد تتطور ويحدث ما لم يكن بالحسبان.
الدستور