هذه هي أمريكا!
بعد واقعة كابول، وكما يبدو فان محللين وخبراء سياسة وعلاقات دولية بالغوا في نبوءة سياسة ادارة بايدن، وما تحمل من استراتجيات راديكالية وانقلابية على سالفه الرئيس ترامب.
والبعض ذهب الى ما هو ابعد بان بايدين سيقود حملة علاقات عامة، وحملة تحسين صورة امريكا بعد ترامب، وحملة لترميم السياسة الخارجية الامريكية، وذلك على خلفية ما اصابها من نزعات فردانية وطوطابية، وبراغماتية وعدائية ترامبية للعالم، وتذكرون كيف أوغل ترامب في توتير العلاقة السياسية والتجارية مع الصين وصفقة القرن الامريكية الاسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية، وفتح ابواب لسلام عربي جديد مع اسرائيل.
من المتفائلين في بايدن كانوا يظنون انه سيخرج في خطاب تلفزيوني ويعتذر من الشعوب العربية والعالم الثالث، ويزور رام الله ويقدم اعتذرا لمحمود عباس والسلطة الوطنية، ويصدر قرارا بحبس ترامب، والقبض على «جماعة ترامب» في الادارة الامريكية.
اوهام واسقاطات شخصية وتعبر عن فائض من موروث شخصي لمحللين وخبراء سياسة، لا يدركون، ولا يريدون ان يفهموا ان امريكا بلد مؤسسات، وان نظامها ديقراطي، وان الرئيس قائد رأي عام، وليس زعيما بالمعنى الشرقي والعربي والكلاسيكي للكلمة.
ماذا تغيير في السياسة الخارجية الامريكية، وقد مر حوالي عام على انتخاب الرئيس بايدن؟ قرار الانسحاب من افغانستان كان مبتوتا امره من ايام الرئيس اوباما، وتبني الاخير لسياسة الصبر الاستراتجي في ادارة امريكا لازمات وحروب العالم الملتهبة والساخنة، وسياسة عدم التدخل والانسحاب العسكري الميداني من بؤر متوترة كالعراق وسورية، وتأسيس لحروب بالوكالة.
خطاب بادين في حملة الترشح تبدل وتغيير، وهذا أمر مألوف وعادي في العالم كله. مرشح الانتخابات يعلي من سقف التوقعات، وينثر رمال من ذهب، ويقدم خطابا دعائيا في الشعارات لجلب التعاطف والولاء والداعمين والفوز باصوات الناخبين.
وماذا اختلف ترامب بكل عنهجيته وتطرفه عن سابقه الرئيس اوباما؟ في السياسة الخارجية لا شيء يذكر. بل ان ترامب سار على خطى اوباما في التعامل مع الملفات الكبرى الحرب التجارية مع الصين، والعلاقة مع الاتحاد الاوروبي وانسحاب بريطانيا من بريكست، والعلاقة مع روسيا والحرب على الارهاب، والصراع السوري والليبي، والقضية الفلسطينية، والعلاقة مع تيارات الاسلام السياسي في المنطقة.
اوباما قبل ان يرحل من البيت الابيض بعام، قدم في خطاب مبادرة سلام اشبه بصفقة القرن وبكامل مفرداتها، ورماها كمشروع سلام في وجه الاسرائيليين والفلسطنيين، واعتبرها من اخر الفرصة التاريخية لتحقيق سلام في الشرق الاوسط. واكمل ترامب السير على خطى اوباما في تبني خطة السلام الامريكية والترويج لها.
الرئيس في امريكا والدول الديمقراطية ليس اسما مستعارا وحركيا لحزب. ولا يسير في صناعة القرار بمعزل عن مؤسسات الدولة ومستشاريين والكونغرس القادر على ابطال قرارات الرئيس، وحدث ذلك اكثر من مرة.
كيف تفهم السياسة الامريكية؟ سؤال ليس صعبا ولا معقدا، ولا يحتاج الى نظريات ومقدمات في علوم السياسة والدبلوماسية، ولكي تكتشف وتفهم الظاهر والباطن في السياسة الامريكية.
في تجربة العرب شعوبا وحكومات مع الادارة الامريكية، فكل رئيس امريكي جديد نترحم على سابقه، ونقول.. والله انه كان افضل واحسن، وقلبه ميال مع العرب.
حسابات عاطفية بحتة، ولربما هي حسابات الضعفاء وفاقدي ومعدومي الارادة والقرار والاستقلال، ومن ينامون في اسرة خارج التاريخ. ينتظرون رئيسا امريكيا يعطف على احوالنا، ورئيسا ينقلب على اعمدة الثوابت في السياسة الامريكية لكي يدعم ويساند العرب في قضاياهم ومصالحهم وصراعاتهم.
وذلك ما يغيب عن تفكير كثيرين في تحليل وتأويل وفهم السياسة الامريكية، واكثر ما يغلب لديهم العاطفة والانجرار وراء الانطباعات، شخصنة الامور على فقه ضيق الافق ومعدوم البصيرة، ولا يتعلم من دورس التاريخ وتجارب الاخرين، ويمارسون اسقاطات، وفي كل صفعة امريكية تكون اقسى والعن من سابقتها.
الدستور