ظلام النفق ومدارج النور
لن يستطيع الخلند، ذلك الكائن القارض النشط ذو الأسنان الحادة البازغة، والذي يعيش في أنفاق متشابكة ينقبها في الأرض، أن يخفي تقدمه في أحشائها، أو عبوره من نقطة إلى أخرى. فحتماً ستراه يترك أكواماً عديدة من التراب الناعم تدلُّ على أنه عمل بجد لصنع حياة تفوق قسوة الممات.
أول أمس، انشغل كثير من الناس بقضية كيف حفر الأسرى الفلسطينيين الهاربين من سجن جلبوع معبرهم أو نفقهم؟، وكيف تخلصوا من التراب الناجم عن ذلك الحفر الممتد لأكثر من 25 متراً، دون أن يشعروا بهم عدوهم المكتنز بالتحصينات الإمكانيات؟.
ينسى الناس أن مسيرة انتزاع الحرية تكاد تقترب أو تسمو من مدار المعجزات أو خوارق الأفعال. ينسى الناس أن الأحرار، عبر تاريخنا البشري، إذا جد جدهم تشتد أظفارهم معاول وفؤوسا ومناجل تلتهم كبد الصخر وتطحن المستحيل. وينسى الناس أن معادلات المنطق تغدو بلا اتزان أو ميزان أمام جبروت وثوران أسير يتوق لنسمات الحياة.
لم يكون هروباً من سجن ما قام به هؤلاء الأحرار. بل كان خلاصا من أسر يكبلهم به عدو غشوم. فنحن في حرب دؤوبة طويلة الأمد نحتاج فيها لكل ومضة ضوء تبدد فكرة أن سجون الأعداء قادرة على لجم أحصنة أرواحنا التواقة لصهيل الحرية والانطلاق.
الأنفاق صارت حديثاً تستخدم كتكتيك هندسي في المدن للتغلب على مشاكل المرور والعبور في الجبال وحتى تحت البحار. لكنها كانت دوما عملا حربيا ممتدا عبر تواريخ النضال الإنسانية. فالفيتناميون استطاعوا أن يواجهوا الفرنسيون بالأنفاق، وبها أيضا هزموا الأمريكان. والبوسنيون صمدوا تحت حصار الصرب من خلال نفق ضيق كان كحبل سرة يمدهم بأنساغ الحياة. والغزيون لما ضاقت به خوانق وجدران الحصار حفروا في الأرض شبكة أنفاق تقترب من 500 كلم كانت كمباسم الضوء.
يضع نقاد السينما فيلم الخلاص من شاوشانك The Shawshank Redemption المنتج قبل 27 سنة في مصاف أفضل الأفلام في التاريخ. وهو يسرد قصة سجين يحفر نفقاً في عشرين سنة للهروب نحو حلمه وحريته على شواطىء بحر بعيد. ولو قدر لقصة أبطال سجن جلبوع، أن تكون فيلماً لكان روحاً تلهم أحرار العالم التواقين للعبور نحو مدارج النور.
الدستور