كابوس هروب السجناء
في اليوم الثاني لعملية تحرّر الأسرى الستّة من سجن جلبوع، ظلّت الأسئلة الكبيرة المعلّقة في إسرائيل حول تلك العملية بلا أجوبة، في وقت باتت فيه كافة الخيارات مفتوحة أمام المأزق الذي تعاني منه الحكومة الاسرائيليه والمنظومة الامنية.
وألقت تبعات عملية تحرّر 6 أسرى من سجن جلبوع، بظلالها على المشهدَين السياسي والأمني في دولة الاحتلال التي هدّدت عائلاتهم بالضغط على أبنائها لتسليم أنفسهم قبل تصفيتهم، كما ضيّقت على الأسرى وألغت أقسام حركة «الجهاد الإسلامي» في السجون، الأمر الذي ردّت عليه الفصائل بحلّ أطرها في المعتقلات، وتشكيل خلية موحّدة لمواجهة مخططات الاحتلال الصهيوني، فيما حذرت الفصائلُ الفلسطينية سلطات الاحتلال من الإقدام على تصفية الأسرى في حال الوصول إليهم، أو الاستمرار في الضغط على عائلاتهم، ومن تداعيات هروب المعتقلين الفلسطينيين أن تتدحرج تطورات الأوضاع وتخرج عن السيطرة وتفجر انتفاضة ثالثة أو إمكانية مواجهة عسكرية اذا تمكن المعتقلون الهاربون من سجن جلبوع تجاوز الحدود واللجوء إلى دمشق او حزب الله أو حتى غزة.
مصادر فلسطينية ذكرت أن مخابرات الاحتلال « الشاباك» أرسلت، عدّة بلاغات استدعاء لعائلات الأسرى الستة، والتقت بعدد من أفرادها، مُهدّدة إياهم بأنه في حال لم يسلّم المحرَّرون أنفسهم، فستتمّ تصفيتهم في حال العثور عليهم، محذّرة إياهم من مساعدة أبنائهم في حال تواصلوا معهم. وتزامنت تهديدات قوات الاحتلال مع انتشار واسع لقواته على حدود محافظة جنين شمال الضفة المحتلة، وفي مرج ابن عامر، وعلى فتحات الجدار، وسط انتشار عسكري مكثّف بهدف منع وصول الأسرى إلى الضفة الغربية المحتلة. وبالتوازي مع ذلك، شهدت سجون الاحتلال توتراً شديداً، بعد فرض إدارتها إجراءات عقابية مشدّدة ضدّ الأسرى الفلسطينيين، إذ قرّرت تقليص مدّة الفورة إلى ساعة واحدة، وتقليص عدد الأسرى في ساحات السجون، وإغلاق «الكانتينا»، وإغلاق أقسام أسرى « الجهاد الإسلامي» وتوزيعهم على السجون.
وقد هددت حركة « الجهاد» بأن أيّ مساس بالأسرى لن يتمّ السكوت عليه، وأن الحركة لن تترك الأسرى وحدهم ولن تخذلهم، مؤكّدةً أنها مستعدّةٌ لفعل كلّ شيء من أجل حمايتهم ومساندتهم في مواجهة الممارسات الإرهابية التي تمارسها سلطات الاحتلال ضد الاسرى. وأضافت في بيان: « إن المساس بالأسرى خطّ أحمر، وعلى الاحتلال أن يمعن النظر جيداً في ما نقول، وأن يدرك أننا مستعدّون وقادرون على حماية أسرانا بكلّ السُبل والوسائل، وخياراتنا في ذلك مفتوحة ومتعددة». وفي مواجهة محاولة العدو الاستفراد بـ» الجهاد»، هذا في حين أعلنت الهيئات القيادية لأسرى « حماس» و» الجبهة الشعبية» والجهاد» « وفتح « وكل الفصائل الفلسطينية حلّ التنظيم في معتقل النقب، وقرّرت تشكيل خلية عمل وطنية من كلّ الفصائل في مختلف السجون لإدارة المواجهة. وفي غزة، حذرت الفصائل الفلسطينيه، عقب اجتماع لها، الاحتلال من مغبّة التعرض للأسرى في سجونه. وكشفت مصادر فلسطينية أن الفصائل أبلغت الوسطاء بأن الخطوات الإسرائيلية تجاه الأسرى قد تؤدّي إلى تفجّر الأوضاع مجدّداً في الأراضي المحتلة وفي قطاع غزة، مشيرةً إلى أن احتمال اللجوء إلى الخيار العسكري وارد جدّاً في حال تواصلت الضغوط على الأسرى.
وتسود حالة من الذهول والارتباك صفوف الاحتلال الصهيوني من عملية جلبوع. إذ كشف موقع « واللا» العبري تفاصيل جديدة ومثيرة عن العملية، مشيراً إلى أن الحفر بدأ قبل عام، وأن التحقيقات كشفت أن عدداً محدوداً من الأسرى كانوا على علم بالخطّة. وبحسب المعلومات، فقد سار الستّة مسافة ثلاثة كيلومترات حتى وصلوا إلى مركبة كانت تنتظرهم، لتنقلهم من المكان، فيما أظهرت التحقيقات أن السجّانة غفت خلال الحراسة، وأنه لم يكن يوجد حارس في البرج القائم فوق فتحة الفرار. وبعد مسح النفق، تَبيّن أن طوله يبلغ ما بين 20 و25 متراً، فيما توضح أن الأسير زكريا الزبيدي طلب من ضابط استخبارات السجن نقله لليلة واحدة إلى الزنزانة التي نُفّذت منها عملية «نفق الحرية». وتقوم قوات الاحتلال بعمليات تفتيش عن الأسرى الستّة، بمساعدة قوات حرس الحدود، وقوات خاصة متعددة، كما تمّ نشر 200 حاجز أمني لتَعقّبهم. لكن الاستنتاج الأخطر الذي نشرته وسائل الإعلام العبرية، هو أن الشرطة تعتقد أنهم مسلّحون وأن هناك احتمالاً لتنفيذها عملية أمنية داخل دولة الاحتلال، مع ترجيح أن تكون عملية اختطاف للمساومة على إطلاق سجناء آخرين. لكن أوساطاً فلسطينية تعتقد أن مثل هذه الأخبار تنشرها دولة الاحتلال بهدف التمهيد لتصفيتهم، في حال وصلت إليهم قواتها، للادّعاء بأنهم قُتلوا خلال اشتباك مسلّح.
وتعرّضت مصلحة السجون الإسرائيلية لانتقادات شديدة، إذ قال مسؤول أمني لموقع « واللا» إن « الحديث يدور عن سلسلة إخفاقات خطيرة جداً، وإنه لا يعقل أنه في زنزانة يُحظر فيها الاحتفاظ بملعقة، يجري حفر نفق... كيف حفروا بعيداً عن أعين الحراس في واحد من أكثر السجون حراسة؟». وفي الإطار نفسه، طرحت صحيفة «يديعوت احرونوت» تساؤلات متعلّقة بغرابة العملية، ومنها: لماذا مرّت ساعتان منذ لحظة كشف « فرار» الأسرى (حوالى الساعة الثانية صباحاً) حتى تمّ إحصاؤهم؟ ولماذا لا يتمّ تأمين المنطقة الواقعة بين السجن والحدود مع مناطق السلطة الفلسطينية بشكل منتظم من قِبَل قوات معزَّزة؟ ولماذا اختار موظّفو السجن وضع ثلاثة أسرى في الزنزانة نفسها على رغم أن لديهم احتمالية عالية لهروب هؤلاء، مما سهّل عليهم تنسيق العملية؟.
الدستور