أخطاء متكررة وثقة غائبة
لدينا حالة غريبة من تكرار الأخطاء وفتح الباب على مصراعيه لترسيخ حالة عدم ثقة الشارع بالقرارات الحكومية، رغم أن بعض الأخطاء بسيطة وشكلية، إلا أن الرأي العام مُهيَّأ لالتقاط أي حدث وتحويله لقضية رأي عام.
وزارة الإدارة المحلية أعلنت عن لجان مجالس المحافظات المؤقتة والتي ضمت أحد الأشخاص المتوفين، والأمر قد يتعلق بخطأ موظف أو أسم ورد سهواً، إلا أن تبرير الوزارة الذي حَمَّل المسؤولية للاتحاد العام للمزارعين، الذي بدوره نفى علاقته بالموضوع، فتح المجال واسعاً لتضخيم الموقف.
القضية ليست قضية تعيين شخص «متوفى» بل في آليات الاختيار والتدقيق، فما كشفه هذا الخطأ يخفي وراءه مشكلة أعمق تتعلق بالأشخاص الآخرين في القوائم وخبراتهم وقدراتهم؟، وهذا ما يتحدث عنه الناس، لا عن الخطأ بحد ذاته، بل بما يخفيه من معطيات ومؤشرات أعمق وأكثر تأثيراً.
رد الوزارة الذي يتضمن الحديث عن نهج العمل المؤسسي والتشاركية مع المؤسسات الوطنية المحلية المختلفة ومنحها حرية اختيار ممثليها في لجان مجالس المحافظات المؤقتة تحول إلى قنبلة رُميت في حضن الوزارة بعد نفي رئيس الاتحاد العام للمزارعين أي تواصل سابق معه لإعلان القوائم، بحيث تحولت التشاركية إلى تهمة بدلاً من أداة من أدوات تعزيز الثقة والتواصل مع الشارع.
بعيداً عن هذه الحادثة، وفي السياق العام يبدو أن التعامل مع أي قضية بغض النظر عن حجمها بنوع من رد الفعل المتسرع، مما يضع المسؤول في مواجهة الشارع، وهذا ما ينعكس على ترسيخ التصور السلبي.
الجميع مدرك أن مشكلة الحكومات المتعاقبة مشكلة ثقة، وأن الصورة الذهنية السلبية هي السائدة، لذا فأي حكومة سواء الحالية أو القادمة بحاجة إلى استعادة الثقة الغائبة، وهذا ما لا يمكن توقعه في الوقت الذي لا يكاد يمر فيه يوم بدون قضية تشغل الناس.
يقول نابليون بونابرت: «أخشى 3 جرائد أكثر من خشيتي لمائة ألف حربة»، واليوم هناك بحر من الجرائد المتمثلة بوسائل التواصل الاجتماعي، والتي أعطت الجميع القدرة على التعليق والإدلاء بآرائهم وتعليقاتهم، وهذا ما يزيد من الحراب الموجهة للحكومة وقراراتها، وهي ليست بحاجة إلى أخطاء متكررة في مختلف القطاعات الصحية والتعليمية والإدارية، فمع كل خطأ تتراجع ثقة الناس وتتزايد نظرة التشاؤم والسلبية.
على المسؤول أن يدرك أن الثقة لا تُبنى بالتصريحات الإيجابية والتبشير بالخير القادم، في الوقت الذي تظهر فيه كل يوم قضية تعزز انطباعات الناس بأن آلية العمل ما زالت ذاتها دون تغيير، وأن تحميل المسؤولية للظروف أو للغير هي المبدأ السائد.
الدستور