تونس والسودان .. فتش عن العسكر !
ذهب حزب النهضة في خبر كان ، بعد التطورات الأخيرة ، والأستقالات التي اجتاحته مؤخرا بغض النظر عن البيان التجميلي الذي اصدره الغنوشي والذي دعا فيه النواب عموما الى عقد جلسة في البرلمان لكسر الانقلاب على الدستور الذي قام به الرئيس قيس اسعيد . .
النواب الذين تداعوا لتلبية نداء الغنوشي نكصوا على أعقابهم وعدلواعن حضورهم بزعم أن هناك تجييشا ضدهم ،في الوقت الذي كان فيه الأمن والجيش يطوقان الشوارع المؤدية للبرلمان ويمنعان أيا كان من الإقتراب .
وللتذكير ، فإن عودة البرلمان ليست محل اجماع بعد خيبات الأمل التي سجلها النواب وانغماس المجلس في حروب داخلية متناسيا الهم الاقتصادي وحاجة رجل الشارع والعائلة التونسية للغذاء والدواء والعمل .
قيس اسعيد الذي هو في الأصل استاذ جامعي ، خرق دستور البلاد وفق ما يقول خصومه ، الذين يدعونه للحوار بينما يقول بأنه لم يخرقه البتة ، وبأنه لا حوار مع " اللصوص " الذين افقروا ونهبوا تونس ، قبل أن يعدل عن رايه ويعلن تراخيه عقب اتصال ماكرون وموقف الأوروبيين " القلقين " من مصير مظلم لبلد له أهمية جيوسياسية بالنسبة لهم سواء في الأمن أم الهجرة إلخ .
وبغض النظر عما يبدو عليه الوضع في تونس ، فإن تعيين امرأة :" نجلاء بودن " على رأس الحكومة جاء في سياق البحث عن دعم خارجي ارتأى الرئيس ، أو في الحقيقة الدولة العميقة بأنها الطريقة المثلى لتجميل المشهد الانقلابي كما يقول المعارضون ، وهو ما تحقق فعلا حينما رحبت وزارة الخارجية الأمريكية بهذه الخطوة بعد أن كانت تطالب بالعودة الى المسار الديمقراطي .. وبهذا يكون الرئيس قد خاطب الغرب باللغة التي يفهمها ، فما بالكم إن كان المطلوب في الأساس هو حركة النهضة والاسلام السياسي الذي يسيطر على البرلمان ، وبالفعل ، بات أي حل يقدمه الجيش بواسطة قيس اسعيد مرحبا به إذا كان الغرض منه ابعاد هؤلاء عن دفة القيادة حتى ولو جاء ذلك على حساب الديمقراطية المزعومة في تونس ، ولكن المعطيات الجديدة وخشية أوروبا من دخول البلاد في المجهول حفز ماكرون على الطلب من اسعيد فتح حوار حول إصلاحاته الموعودة .
ما يحدث في تونس كاد يحدث في السودان قبل ايام حينما أعلن الجيش عن احباط مؤامرة انقلاب ، بينما يقول مراقبون بان هذا الانقلاب مجرد " فيلم هندي " والهدف منه ضرب عصفورين بحجر : القضاء على بعض الشخصيات العسكرية التي لا يمكن تطويعها إلا بهذه الطريقة ، وهذا ما حصل فعلا حينما أعلن عن اعتقال عشرات الضباط من المشاركين في الانقلاب ، والثاني الاستفراد بالسلطة بعد ابعاد المدنيين الذين يشكلون الجناح الآخر للقيادة في السودان ، وهو ما رأيناه في تصريحات البرهان أو حميدتي اللذين حملا المدنيين كل تبعات الانهيار الاقتصادي في البلد مع أن الأرقام تقول بان الجيش السوداني يسيطر على 90 % من اقتصاد البلاد ويعود إليه السبب في التردي الأقتصادي الذي يعانيه الناس ، ولكن هذا الهدف - أيضا - اصطدم بخشية أمريكية من تدهور الأوضاع إلى الأسوأ فرأينا فشل انقلاب العسكر على الشركاء ، وفي نفس الوقت هشاشة الشراكة وما استجد من ميثاق جديد وقعت عليه حركات لها مطالب ثقيلةلا قبل لوحدة السودان بها .
الجيش التونسي نجح حتى الآن في أبعاد الغنوشي وتكريس الحكم العسكري والأمني بضربة واحدة ، ولكن رياحه لم تجر بما تتخوف منه سفن أوروبا المتاخمة للشواطئ ، وقد تحمل الأيام القادمة مفاجآت غير متوقعة ، أما البرهان - في السودان- فقد أخفق في تقليده وخضع لرغبة الغرب في الحفاظ على الإئتلاف مع أننا نشهد مطالب بالجملة في القوى السودانية وخاصة المسلحة منها .
أي أنه ما بين حانا ومانا ضاعت " لحى " التونسيين والسودانيين الذين أفاقوا من ثوراتهم ليجدوا أنهم معلقون من عراقيبهم : لا هم في الأرض ، ولا هم في السماء ، وفي المحصلة : فتش عن العسكر !.
جي بي سي نيوز