مرحلة مفصلية تحتاج الجميع
بعيداً عن نظرية العربة والحصان وأيهما يتقدم على الآخر، فإن أي إصلاح في مفهومه العام يشكل أمراً إيجابياً يُبنى عليه، ويدعو للتفاؤل تجاه المرحلة المقبلة بغض النظر عن جدلية هل الإصلاح السياسي يتقدم على الإصلاح البنيوي المتعلق بالمجتمع والتعليم والقوانين الناظمة للعلاقة بين الفرد والدولة، أم كل ما سبق يجب أن يتقدم ليؤسس للإصلاح السياسي؟.
حديث جلالة الملك يوم أمس حديث واضح لامس طموحات الشعب الأردني، وتطلعاته نحو حياة سياسية فاعلة ومنتجة في المشهد العام، وتنعكس على كافة أوجه العمل الأخرى، والكرة اليوم في ملعب الحكومة، إذ إن إقرار أي تشريعات تتعلق بالأحزاب والحياة السياسية والعمل النيابي لا يمكن لها أن تؤدي المأمول منها دون وجود أنظمة وتوجه حكومي داعم لها للوصول إلى النتائج التي يأمل الجميع تحقيقها.
تعزيز الثقافة الحزبية والسياسية بحاجة إلى العديد من الإجراءات لتغيير الذهنية السلبية تجاه الأحزاب وهي ذهنية متجذرة لدى شريحة واسعة من المجتمع، باعتبار العمل الحزبي «حجر عثرة « أمام الباحثين عن العمل في القطاع العام أو الطلبة الساعين للحصول على منح دراسية، وغيرها من الأمور التي تحتاج إلى حيادية حزبية لاجتياز متطلبات الكثير من الأمور.
الأحزاب السياسية الفاعلة والمؤثرة بحاجة إلى جمهور مؤمن ببرامجها ونظرياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا الجمهور لا يمكن الوصول إليه بلا توجه واضح لترسيخ صورة ذهنية إيجابية لدى المجتمع حول العمل الحزبي، باعتباره رافعة من روافع العمل العام، وأسلوب حضاري للتعبير عن الآراء دون إسفاف أو ابتذال، بحيث لا تتحول الأحزاب إلى «كوته» برلمانية جديدة تضاف إلى ما هو موجود سابقاً.
وعلى الطرف الآخر فإن الأحزاب عليها مسؤولية لا تقل أهمية عن الدور الحكومي فدورها يتجلى في إقناع الناس ببرامج وآليات عمل منطقية وقابلة للتنفيذ، وعدم الاكتفاء بالتنظير والمناكفة دون تقديم ما يلامس تطلعاتهم ويضع الحلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تؤرق المجتمع بمختلف أطيافه.
في عالمنا العربي لدينا تجارب حزبية كثيرة لم تستطع النفاذ إلى الشارع بشكل فعلي كونها تخاطب نفسها وتعمل للظهور بمظهر الحزب المدافع عن المجتمع فيما هي تراوح في منطقة «النخبوية التنظيرية»، وهذه التجارب فشلت بشكل واضح، فالهدف ليس إنشاء أحزاب بل التأسيس لحياة حزبية قادرة على المساهمة في التنمية والمشاركة في رفد الدولة باستراتيجيات عمل بعيداً عن النظرة الضيقة التي تختصر الأمر بالسعي نحو الجلوس في مقاعد الحكومة.
المرحلة الحالية مرحلة مهمة في التاريخ السياسي الأردني ورأس الدولة هو الضامن لعملية الإصلاح ولمخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، والدور الآن على الحكومة والأحزاب معاً، فالأولى عليها توفير الضمانات الإجرائية التي تشجع الناس على المشاركة الحزبية الفاعلة، فيما على الأحزاب تقديم ما يقنع المجتمع بأن منتجها قابل للتطبيق وليس مجرد شعارات ونظريات تخدم صورة الحزب ورموزه دون أي مخرجات تخدم المصلحة العليا للدولة.
الدستور