حريق متسلسل
قصة يروونها عن شاعر بدوي كان يلقي قصيدة على أعرابي أردني في خيمته، وعلى عادة المتلقي في الشعر البدوي، إذا لاقت القصيدة استحسانا عنده-يعيد (الروي) بعد الشاعر وهو المقطع الصوتي الأخير الذي يقوله الشاعر، ليوحي للشاعر أنه يتابع ويستمتع بقصيدته.
وكان يا ما كان أن النار انتقلت من (النقرة) التي يضعون عليها دلّة القهوة العربية، إلى ثوب المعزب، فأراد الشاعر تحذيره، فقال:
- يا شيخ: ترى النار كلت ثوبك.
وتعني هذا العبارة ان التار تأكل في ثوبك يا صاحب البيت . أما صاحب البيت، فقد اعتقد أن هذا القول هو مقطع من القصيدة، فصار يكرر-مستمتعا-بعد الشاعر:
- ثوبك.
فيعيد الشاعر قول عبارة (ترى النار كلت ثوبك) والرجل يكرر: (ثوبك).
ومن ذلك الحين لم تردنا تقارير محكمة حول تفاصيل ما جرى بعد ذلك. هناك من يدعي بأن المعزب تنبه اخيرا الى ما يقصده الشاعر، وأطفا النار التي تأكل ثوبه، ويدعي آخرون بأن الشاعر توقف عن القول، وهجم على المعزب وأطفأ النار، ويشير البعض-بسوء نية واضح-إلى أن الرجل عندما شاهد الشاعر يهجم عليه فهم الموضوع غلط، وأخرج شبريته بسرعة وغرزها في قلب الشاعر.
الغريب عندنا أن لا احد – تقريبا- يستفيد من الدروس المستقاة من الماضي القريب ولا البعيد، لذلك فما زال المعزب يقع في ذات الخطأ، ويعيد الروي الأخير بعد الشاعر ، بينما تأكل النار ثوبه.
لا بل أن النار وبعد ان التهمت ثوب المعزب، قامت بالتهام الشاعر وأهل بيته، ودله القهوة والخيمة، والبعير والحمار الواقفين على باب البيت، ثم انتقلت الى الخيمة المجاورة والتي تليها ووتليها وتليها حتى التهمت الحي بأكمله.
ثم انتقلت النار الى الحي المجاور والذي يليه ويليه ويليه .
لا الشاعر استوعب ان عليه ان يطفي النار بنفسه.
ولا اهل البيت حاولوا مع الشاعر تحذير المعزب
ولا المعزب استوعب أن الأمر ليس روي قصيده، بل دوي حرب وحريق وموت زؤام.
يحاول الناس لفت نظر السلطات في أكثر من مكان في العالم بأن القمع وانعدام العدالة والفقر المدقع، سوف تؤدي جميعها إلى وصول النار الى البيت والحمار والجمل والحي و و و و.... وما كان من السلطات الا ان شرعت تكرر خلف المحتجين والمنبهين:
- ثوبك ...ثوبك... ثوبك .
فانتقلت النار من خيمة الى خيمة ، ومن حي لحي لحي ، وما يزال الشاعر يقول:
- يا معزب ترى النار كلت ثوبك.
وما زال المعزب يردد وراءه بكل تمتع:
- ثوبك ....ثوبك.... ثوبك.
عظم الله أجركم
الدستور