«معونة» الزيتون
قبل سنوات قليلة اقترحت إقرار «عطلة زيتون» لمدة أسبوع، في أواخر كل شهر تشرين الأول من كل عام؛ ليتسنى للأردنيين المشاركة في موسمهم البهيج بأريحية وفرح، وكي يسهموا في معونة أقاربهم وأصدقائهم وجيرانهم، كما كان يسود في مجتمعنا قبل سنوات. لكني تراجعت عن ذلك في ضوء ما بتنا نراه لمعاني العطلة المتمثلة بالتمطي والكسل و»نوم الضحاوي» وتقليب الفضائيات، والتثاؤب على منصات مواقع التواصل الاجتماعي.
موسم هذا العام مبشر بالخير الوفير. فالزيتون يجود بأحمال كبيرة تثير المسرة في النفس مع توقع أن يصل إنتاجنا إلى 30 ألف طن زيت حسب وزير الزراعة، وربما يزيد، مع أمنيات طرح البركة والنماء. ولهذا أتوقع أن ينخفض سعر تنكة الزيت ليصل إلى تخوم 50 دينارا، وهذا برأيي سعر عادل للمواطن والمزارع معاً، مع ملاحظة، أن جزءا من إنتاج العام الماضي ما زال مركونا في مستودعات المعاصر، في ظل تمسك البعض بأسعار تفوق طاقة أكثر المواطنين.
مزارعو اليوم يتذمر من أن أجرة العمال تستنفد ما يقرب من ثلث ناتج موسمهم. كما أنهم يتوسلون هؤلاء العمال الوافدين للعمل بأجرة يومية تصل إلى 20 دينار، عدا الطعام والشراب والدخان. والمشكلة الكبرى أنهم غير محترفين، أي أنهم (يمسمسون) القلب، ويحمّون البال، على حدّ قول أحد المزارعين.
ولربما تحق لهم هذه الشكاية، كما يحق لي أن أتذكر الموجات العاتية من المعونة التي كان جدي رحمه الله يتلقاها في «فراط الزيتون»، من الأقارب والأصدقاء والجيران. وما زلت أذكر أننا ما كنا نكاد ننصب السلالم على الزيتونة والمفارش تحتها، حتى نهرع إلى شجرة أخرى بكل حماس، وكانت الأغاني (تترندح) في أصداء الوادي، وتلهبنا حمحمة الزغاريد. فيما جدتي رحمها الله تشرّك (تخبز على الصاج) لكل هذا المد البشري بكل امتنان.
للأسف لم يبق مكان للمعونة في مجتمعنا. فأنت الآن تترك وشأنك، ولا تتلقى أية مساعدة من قريب أو صديق أو جار. ولهذا أعتقد أن علينا كدولة أن نعيد الروح الحقيقية للعمل التطوعي، ولنبدأ من طلبة المدراس والجامعات والهيئات الشبابية. وليكن عملا حقيقيا لا مظاهر وتصوير و»فسبكة» و»توترة» (من فيسبوك وتويتر). نريد أن نعلي من شأن هذا العمل الذي يجذّر الناس في وطنهم، وينمي علاقاتهم مع بعضهم بعضا.
وسنتذكر أن هذا العمل التطوعي كان له بصمات في وجدان الأردنيين، ويكفي أن نقول أن غابات وصفي التل زُرعت ضمن حملات تشجير تطوعية لطلبة المدارس والمواطنين. وسلامتكم.
الدستور