التعصب الفكري انعكاس لضيق الأفق وجمود الفكر
بداية علينا التسليم أن التعصب علة كل بلاء ،فنحن اليوم في عصر تملؤه «الأنا « التي تحولت لتصبح شرسة وخارجة عن حدود المنطق، حتى بتنا مضطرين ان ننظر الى التعصب بشمولية أكبر،حيث أننا بلغنا حد تفاقم ظاهرة التعصب وامتداده الى الخطاب الثقافي وطغيان الفكر السياسي للبعض حتى وصل الامر ببعضهم الى جمود وتعنت في الفكر لدرجة تخوين الاخرين ، وهذا هو التطرف الفكري والسلوكي الذي بات يعشش في عقلية المنتفعين والمرتزقه كما و نشهد التطرف في الخطاب الديني نشهد نوعا آخر لا يقل خطورة هو التطرف في الخطاب الثقافي والسياسي ، ونحن فعليا لا يمكننا ان نفصل الأسباب المؤدية الى التعصب الديني والتعصب الفكري السياسي في الخطاب الثقافي عن بعضها البعض فهي أسباب متشابكة ومتداخلة كونها ظاهرة مركبة،
تقوم على الخلفية المجتمعية الدينية بالدرجة الأولى والبيئية ،ومن جهة أخرى ،لا يمكن تجاهل تأثير الفلسفة وتداخل الثقافات بطريقة لم يعد يملك بها المثقف العربي الهويةالذاتية،مما وضعه أمام اختيارين لا ثالث لهما اما التقوقع وراء طائفته او حزبه أو عقيدته أو تقليد الغرب بطريقة عمياء، فتعالى عن بيئته وبات ينظر الى واقعه على أنه صناعة الجهل والتخلف في عالمه ، فنمت بذور التطرف في الخطاب الثقافي فنجد شعراء وكتابا ورسامين ومفكرين يروجون لفكرهم دون الأخذ بعين الإعتبار أن مشكلتنا الحقيقية كمجتمعهات عربية،تكمن ان أمثالهم ممن يسجنون عقولهم في دوائر ضيقة من المعرفة والاهتمامات والمعلوم انما هم بهذا الفكر المتعنت والمتعصب يدمرون المجتمع ويفككون اواصره تحت اوهام ثقافتهم الضحله وانعدام الرؤيا لديهم وتمسكهم باوهام ما يفكرون فيهة
التعصب يجعل الإنسان أعمى يبحث عن تبريرات لنفسه ليقنع نفسه أنه هو من يملك الحقيقة المطلقة مهما كانت مخالفة للمصالح الإنسانية والعقل والعدل ، فالتعصب الثقافي يرتدي أثوابا كثيرة منها الانتماء لجماعة أو لطائفة أو لعرق وهي تلبس ثوب الوطنية أحياناً وتلبس ثوب الدين أحياناً .
معظم الأحيان تجد الطبقة المثقفة لنفسها شرعية وتبريراً لممارسة العنصرية والتسلط والعنف والإقصاء والاضطهاد، من هنا ندرك ان هذا النوع من البشر سجن واحتقر العقل والتفكير والمنطق والبحث عن الحقيقة واحتقار حضارات وأديان وثقافات هو ما يمكن أن نسميه التعصب الأعمى والمؤذي فيبتعد عن حوار الثقافات والتفاعل مع الحضارات .
البعض يريد الإنغلاق على ذاته والتحرك ضمن دوائر مرسومة رسمها في مخيلته وعقله المريض ، وهي لا تفضي الى جديد
وهنا السؤال كيف نعيد الخطاب الثقافي الى موضوعيته؟
المثقف العربي تسيطر عليه فكرة أن خالص ما في هذا الكون من معرفة أو نظريات هو من يملك أحقيتها ، يبدو أن المثقف العربي مشاركا في تأجيج الخلافات كونه بات طرفا ،حيث أننا بتنا نرى ذلك في المنتج السياسي و الثقافي ومن شعر أو إعلام او فن أو رسم أو مسرح وألخ ..
مما لا شك فيه ان الخطاب العربي يعاني من حالة ارتباك وعدم توازن ادخلها الغرب لمجتمعنا العربي ، مما أدخل الفكر العربي في ضبابية الرؤية، فبات العقل العربي معتقلا في زاوية الإرهاب وهذا تجلى في عدم مقدرة الخطاب الثقافي العربي من فصل نفسه عن الخطاب الديني والعقائدي المتطرف ،اذا لم يتمكن المفكرون العرب من إنتاج خطاب عقلاني نقدي يشخص الاحداث برويه ومنطق عقلاني موضوعي فبات الاتهام المسبق سمة البعض الذي لا يرى سوى نفسه وينكر على الاخرين وجودهم
الحقيقة ان المثقف العربي بعاني من فوضى لا يستطيع التحكم بها خاصة ان عقله او قلمه او فكره او رسمه قابل ان يكون آداة يمكن شرائها بالمال او شحنها بالغضب لتحرك الرأي العام .
وربما علينا أن نجيب على سؤال يفرض نفسه :ما هي أسباب التعصب عند المثقف العربي وما هو انعكاس ذلك على خطابه الثقافي والسياسي ؟ وتعزى إلى أسباب منها التنشئة الاجتماعية: حيث يربى الإنسان على زرع قيمة غير حقيقة تقول : انه الأفضل وأنه الأذكى فيستخف بغيره كذلك النشأة في أسرة تميز ضد اللون أو الجنس أو القبيلة والجماعة أو الفكر وتغذي روح التعصب والتطرف ضد الآخر تنتج لنا أناسا متعصبين ومتحجرين ومتطرفين والأسرة نواة المجتمع، وتأثير تنشئتها لابد وأن يظهر في المجتمع ، وقد يغلب فيكون التعصب هو الصبغة العامة له.
تضخم الذات: حيث تتضخم الأنا فلا تتمكن من سماع غير طروحات المتعصب فهو يملك الحق وما دونه باطل.
التخلف المعرفي الذي يؤدي الى الجهل :غالبا هناك جهل بين في معرفة الآخر او محاولة معرفته وتبين نقاط الخلاف بين الفكرين فهناك رفض كلي لأي طرح آخر مما يضيق مدارك الوعي ويجعل الدائرة مغلقة لا يمكن البناء عليها فيشتد الخلاف، ولعل الهجوم على الاخرين هو نتاج هذه الانا لان عقدة الانا مرض مستحكم يصعب التعامل مع هؤلاء كما ويصعب علاجهم وهم خطر على المجتمع لما تتصف فيهم شخصيتهم من نرجسية رفع المصالح الشخصية فوق مصلحة المجتمعات :
مما أفرز عددا من المثقفين الذين يدورون الزوايا بحسب أهوائهم ومصالحهم ويعملون وفق منطق الأقوى من خلال محاولاتهم لإلغاء الآخر
والحقيقة أن المثقف العربي بلا هوية حقيقة فهو ليس لديه قضايا يتبناها ويتابعها الى الآخر وما زال يعمل لأخد وفق منطق التقليد الأعمى للغرب ولم يتمكن من ايجاد رؤية تضع الشرق بتاريخه وحضارته على مسار التظور دون التماهي بالحضارة الغربية.
ونضرب مثالا في الفهم الديني الخاطئ: وهو من أسباب التعصب الرئيسية فالتعصب الصليبي ضد المسلمين كان ناتجا من فهم خاطئ لمبادئ الدين النصراني، والتعصب المذهبي الذي أدّى إلى رفض الآخر في الإسلام كان ناتجاً من فهم خاطئ لاتباع العلماء.
هذا السبب من أخطر الأسباب لأنه يقوم على تحريك العاطفة الدينية وبث فكرة ان هذه ارادة الله وممارسة تضليل لا ينادي بضرورة التنوع الثقافي والفكري وحتى الديني وغالبا سنجد ارتفاع وتيرة الغضب والخطاب الإلغائي في المشهد الثقافي يحركه ظهور التطرف الديني،فلم يتمكن المثقفون العرب من النأي بالنفس عن ما يحدث لذا هم تورطوا الى حدا ما ان لم يكن في احيان كثيرة يجندون لخدمة مشاريع غير معروفة الجهات ضمن برمجة معينة تهدف الى اعادة نشر بعض المفاهيم الضيقة وجذب الشباب والتأثير في المجتمعات او اثارة البلبلة فيها.
لهذه الأسباب نجد ما نراه اليوم في الخطاب الثقافي من ضيق في أفق وهوى ذهني يجعل المتعصب لا يري إلا فكره ويلغي أي فكر آخر على الوجود، وحضارتنا الفكرية القائمة إلـى يوم القيامة هي الضدية الأكيدة للتعصب الفكري بل هي السماحة العقلية والوجدانية والسلوكية التي تستوعب العالم أجمع باختلاف فكره واختــلاف معطياته واختلاف تنشئته عليه.
من هنا فان رؤيتنا في منتدى القوميين التأسيس لخطاب حداثي وحدوي عربي يستطيع تحقيق الهوية العربية والذات العربية وطموحاتها وآمالها، وفي الوقت نفسه يحمل الخطاب إلى جانب خصوصيته تلك، رؤيته للإنسانية في هذا الوجود لأنه الخطاب الذي نريد مفتوح على التطوير والشمولية والإنسانية.
والخطاب الثقافي الفكري الوحدوي لا بد وأن يتفاعل مع القضايا الجوهرية التي تواجه عالمنا العربي وهو فكر يستند للتنوع واحترام الذات الانسانيه والرأي والرأي الآخر دون إلغاء لأحد طالما ان ذلك يصب في الصالح العام العربي
وأهمية أي فكر هي بمقدار إمكانية ممارسته على أرض الواقع حتى لا تكون الأفكار مجرد أطروحات نظرية ومثالية.. مع العلم أنه يستحيل فصل الفكر عن السياسة، فالسياسة هي في نهاية المطاف ممارسة للأفكار. وهذا يعني بالضبط أن الخطاب الثقافي الفكري الجديد هو مشروع سياسي!
والدعوة لخطاب ثقافي فكري جديد يعني الثورة لأنه تحرير للعقل والمنهج والرؤية، والمفكر الوطني المخلص والغيور على قضايا أمته ومصالحها ونهضتها، هو الحامل للرؤية التنويرية في التحديث والتحرير، وهو سياسي وثائر على الواقع الحاضر في حصيلة هذا الأمر علينا أن نبدأ في إعادة نشر القيم الإنسانية والخروج من الزواريب الضيقة في الأطروحات الفكرية فالمثقف لا يجب ان يقبل أن يجند فكره لخدمة الشر بل الأصل ان يكون فكره في خدمة الخير.
الدستور