الأردن واليونان: جفاف اقتصادي وخصوبة سياسية
لا يتجاوز حجم التجارة البينية بين الاردن واليونان 50 مليون دولار، وبحجم صادرات اردنية لا يتجاوز 12 مليون دولار، بمقابل واردات تقدر بـ 30 مليون دولار.
أرقام متواضعة لا تفسر كثافة اللقاءات والاتصالات الاردنية اليونانية التي تشمل جزيرة قبرص الرومية وحكومتها في نيقوسيا، فما سر هذه العلاقات التي استدعت قدرًا كبيرًا من الاتصالات السياسية وعلى ارفع المستويات؟!
آخر هذه اللقاءات كان اليوم الأحد على هامش منتدى "صير بني ياس" في دبي، حيث التقى فيه وزير الخارجية ايمن الصفدي كلًّا من وزير الخارجية القبرصي نيكوس خريستودوليديس، واليوناني نيكوس ديندياس، الى جانب وزير الخارجية المصري سامح شكري.
وبحسب المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية احمد مطرفان، بحث اللقاء سبل تعزيز أطر التعاون بين الدول الأربع، فضلًا عن تبادل الرؤى حيال المُستجدات الإقليمية والدولية.
العلاقات الاردنية القبرصية اليونانية تبدو غامضة وغير مفهومة؛ فالدولتان الواقعتان شرق المتوسط لا تجمعهما بالاردن حدود بحرية او مصالح اقتصادية وسياسية إستراتيجية، إلا إذا اعتبرنا عضوية البلدين في الاتحاد الاوروبي عوامل مؤثرة، فضلًا عن الدور الذي تلعبه أثينا في الاماكن المقدسة في القدس.
قبرص واليونان لم تقتصر العلاقة معهما على الاماكن المقدسة في فلسطين المحتلة، او موقفهما من "حل الدولتين"؛ إذ تجاوزت مؤخرًا ملف الصراع العربي الاسرائيلي نحو شراكة شرق المتوسط ضمن "منتدى غاز المتوسط".
شراكةٌ تحولت الى عبء على مصر بمرور الوقت بعد أن وقعت نيقوسيا وأثينا اتفاقات لنقل الغاز الى اوروبا متجاهلة القاهرة، وهي أزمة سرعان ما تجاوزتها القاهرة بتجديد العلاقة بين نيقوسيا وأثينا والقاهرة لمحاصرة أنقرة؛ فالعلاقة التي جمعت نيقوسيا وأثينا والقاهرة لم يكن الغاز عنوانها الحقيقي، وإنما محاصرة أنقرة، ومساومتها من منظور المصالح السياسية المصرية في ليبيا وسوريا.
تبقى العلاقة الاردنية مع كل من نيقوسيا وأثينا محصورة في تبادل الدعم الدبلوماسي والقانوني المرتبط بالملف الفلسطيني. وهو ملف تراجع أثره الدبلوماسي في أثينا ونيقوسيا؛ نتيجة للتقارب بين العاصمتين والكيان الاسرائيلي؛ فملف الغاز بات مصلحة مشتركة تفوق الملف الفلسطيني، والمصالح التي تجمع نيقوسيا وأثينا بالأردن.
تحولٌ لا تستطيع عمَّان تعويضه بمزيد من التقارب مع نيقوسيا وأثينا، بل من خلال التقارب مع أنقرة ودمشق وبغداد؛ فهذه هي الجغرافيا، وهذه هي أرقام التبادل الاقتصادي تفصح عن نفسها؛ فالجفاف الاقتصادي سرعان ما يتحول الى جفاف سياسي!
الدستور