البلدية إنسان قبل قل شيء
ليس مستغربا التهافت الكبير والمستميت على الترشح لانتخابات اللامركزية في دورتها الجديدة، مع أن المشروع برمته وأرومته لم يثبت جدواه بل راينا وأحسسنا عبثيته وضعفه وانعدام حيلته. لكن البعض يفسر هذا التهافت من طرف الراتب الذي يشكل غنيمة باردة لمن سيظفر بعضوية المجلس في محافظته.
لكن الجو الأحمى والأسخن سنعيشه مع التحضير للانتخابات البلدية، وخصوصا التصارع على رئاستها، كونها تقرأ في مساقات المشيخة والمظهرة والمكتسبات العائلية الكبيرة التي تضاف إلى فخامة النيابة وهيلمانها.
في الأشهر المقبلة، إن لم تؤجل الانتخابات، سنشهد صراعات مثيرة، حتى في شبكات العائلة الكبيرة الواحدة، وسنشهد إقصاءات مقيتة بحق المرأة، وتهميشها عبر مهزلة الصندوق الداخلي المخالف للدستور. وسنلحظ اصطفافات وتحالفات تصل إلى مرحلة كسر العظم، وسنلمس تعصبا أعمى ورغبة جامحة بإلغاء الآخرين وطمسهم، وجاهلية أن الدم هو الرابطة الأقوى. وسيبقى الشيء الوحيد الغائب والمغيب عن المعركة هو برنامج عمل يقدمه ويتبناه مرشح من المرشحين.
البلدية ليست مشيخة، أو فرصة عمل متاحة، وليست (مضبّاً) للضجرين النزقين، أو فسحة للهرب من (مناقرات أم العيال). البلدية هيئة حكم محلية تدير شؤون الحياة من مهد الإنسان إلى لحده.
لم نرَ يوماً رئيس بلدية نال عقابا رسميا أو شعبيا، بل نراهم يعودون للترشح معتمدين على ذاكرة الناس (الذبابية)، التي تنسى كل شيء بعد ثوان معدودة، مهما حصل لها، ولهذا تعود الذبابة لتقف في الموضع الذي كان سيكون فيه مقتلها.
قبل سنوات تمنيت لو أن شاعراً أو أديب يصبح عمدة لعمان وأخواتها، شاعرا يؤنسناها ويجعلنا ندرك أن المدن كائنات حية لها روح تتنفس وتنتعش وترتعش، وتحلم وتتطلع وتفكر وتحنو.
لن أقول إننا بحاجة إلى شعراء في بلدياتنا، ليس لأنهم يرفضون الدخول في معمعيات، إن كانوا شعراء حقيقيين. بل ما أريده مرشحين من صميم معاناتنا اليومية. نريدها قبل أن يجدوا حلا للقمامة التي تخنقنا، أن يعيدوا ثقافة النظافة للحارات، وأن يجدوا حلولا للزحامات المروية والاعتداءات على الشوارع، وكيف صارت ميزة البلد: رمي الأنقاض في أي مكان.
في هذا الضوء المختلف: هل نعيد للبلديات دورها الحقيقي في الحياة؟ أي بأن تهتم وتشتغل ليس فقط بالشارع المسفلت والرصيف المبلط بل تهتم وتسعى إلى مكتبة للاطفال، وحديقة للعائلات وملاعب للشباب. البلدية إنسان قبل كل شيء.
الدستور