كيف السبيل إلى الضحك في بلاد الخوف
لا أخاف أن يقعَ مقالي هذا بين يدي رئيس جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية كيم جونغ أون؛ فيخطف منه طريقة جديدة في الإعدامات الظريفة، التي نعرف أنه يحبها، ويتلذذ في تنفيذها بين الحين والحين. لا أخاف أبداً من هذا، ليس لأنّ الطّغاة، ومن ماثلهم لا يقرؤون. بل لقناعتي، أن تلك الطريقة مرت في خاطره، وجالت في هواجسه، وهو يتتبّع بشغف درب ومسيرة من قبله من عتاة الطغاة وأشاوسهم، من نيرون حارق روما ومجنونها الكبير، إلى جوزيف ستالين، قاتل السوفييت وساحقهم، والذي يرى فيه قدوة عجيبة يحاول تقليدها.
لكن، وكما أرى، فإن كيم جونغ أون فاق من قبله في التّفنن في إبداع طرق غريبة للقتل، كان أبشعها، كما تذكرون، أن أعدم نائب وزير جيشه، بعد ضبطه كاسراً ناعوسته في حفل عسكري، بوضعه في بؤرة هدف مدفع «هاون» ونُسفه، كما وسجن زوج عمته عارياً، في قفص قبل أن يدخل عليه عشرات الكلاب الشرسة المُجوّعة والمعطّشة.
صحيح أن نيرون، هو من ابتكر الإعدام بالضحك، بعد أن ضربته موجة جنون تسونامية، حسب بعض المراجع، إذ كان يرشُّ جسد المحكوم عليه بنثرات سخية من الملح، ثم يتحهُ لبضع عنزات نشطات تتولّى بنهمٍ لحسه ولعقه ودغدغته وإضحاكه قسراً، حتى يموت مقهقهاً أمام وجوم الجماهير ودمعهم. ثم جاء من بعده طغاة أخف وطأة، إذ كانوا يدغدغون المحكوم عليه بريشة نعام باذخة في باطن قدمه؛ فيموت بنعومة صاخبة.
تذكرت هذه الطريقة في الإعدام، حين قرأت قبل أسبوعين عن قرار لطاغية بيونغ يانغ، يمنع فيه الكوريين من الضحك 11 يوماً، إحياءً للذكرى العاشرة لوفاة والده كيم جونغ إيل. وجاء القرار متزامنا مع قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة، يدين انتهاكات حقوق الإنسان في هذا البلد.
بعيداً عن لا جدوى الإدانة لا أعتقد أن يضبط أحد من الكوريين متلبّساً بالضحك، ليس خوفاً من بطش طاغيتهم وقرارته العنجهية فحسب، بل لأن لا سبب يدعو للضحك أو التبسم هناك، إذ يعيشون بزنزانة منذ عام 1948 تعاقب على لجمها، وخنقها الجدُّ والأبُ والابن.
كيف سيفرح من يحاصرهم الخوف من جهاتهم الست؟ كيف سيضحك من تلفّهم الأوجاع والجوع وعدم الشعور بالأمن؟ كيف سيضحك من يرزح تحت نير طاغية لا يرحم. لكني أشعر بالقهر حين أرى التقدم الذي تنعم به جمهورية كوريا «الجنوبية»، وانشغالها النهم بالحياة، وسبل تحسينها وتخصيبها، في وقت ما زال طاغية بيونغ يانغ منشغلا بعسكرة البلاد، وتجفيف منابت الحياة فيها، بأبشع صورة متخيلة، جعلت الناس يلهثون وراء الخبز في طوايبر لا تنتهي.
فمن أين يأتي الضحك لبلاد ترزح تحت حديد ونار بمزاجية وجنون؟
الدستور