القادم أجمل
قبل عامين من هذه اللحظة، من منا كان يتخيل سناريو مظلماً ومحزناً للعامين 2020 و2021. ربما أن أمهر مخرجي أفلام الرعب، وأشد متشائمي العالم لم يكن ليخطر في بالهم وقائع تشبه هذه التي سقطت على رؤوسنا بعد اجتياحنا بفيروس كورونا.
كان أجداننا يقولون: (ما عمر إلا بعد حصبة، وما زين إلا بعد جدرة). أي لا يكتب لك عمر إلا بعد اجتيازهما. فالحصبة كانت قاتلة على بساطتها الآن. ومرض الجدري كان يحصد الناس حصد العشب، أو يسبب لهم بثورا ترتسم على وجوه وتقتل جمالهم. والحمد لله، هذا ما لم يحصل معنا في جائحة الكورونا رغم فداحة ما حصل. فهي أيام مضت وستمضي. ولنتذكر أن العالم عانى من الجدري أكثر من ثلاثة قرون، قتل فيها أكثر من 300 مليون إنسان، قبل أن يضع العلم حداً له باللقاح.
أرى أننا سنخرج معبئين بالحياة وممتلئين بها حتى شوشة رؤوسنا وأعلى. سنخرج مقدرين لمعانيها الشاهقة السامية البسيطة العميقة. سنعرف أن السعادة تكمن تحديدا في مطابخ أنفسنا وتلافيفها لا خارجها. وتتمثل في عائلة مجدولة بالمحبة والألفة، وترافق أشياء بسيطة غير مكلفة كأصوات أحبة في الهاتف باعدت بيننا ظروف الحجر.
سندرك أننا كنا نلهث وراء أشياء كبيرة معقدة ومكلفة معتقدين أنها سبب لراحة بالنا المنشودة، فخاب الظن وظهر أننا نستطيع أن نوقف كل ذلك اللهاث الشره دون خسائر تذكر، وسندرك أن الحياة كانت أبسط مما اعتقدنا لزمن طويل مؤلم ومرهق. سنخرج أقوى وأخصب؛ لأننا كسبنا فقدان أشياء كنا نتشبث بها، ونخاف أن نحيا بدونها.
أعرف أن من السذاجة أن يرفع الواحد منا أشرعة التفاؤل لرياح عام يطل برأسه من بين أكوام الكروب والندوب والنكبات. وأن الحكمة تقتضي أن نتروى قبل الإبحار على الأقل. لكني أؤمن أن الأشرعة لا تحبلُ بغير رياح ستمنحنا أسفار العمر، ومحطات الحياة بكل تلاوينها. المرافئ دافئة وآمنة، هذا صحيح. إنما السفن ما صنعت لتسكن تلكم البقاع. فهيا نمضِ. القادم لن يكون أسوأ مما حلَّ بنا. القادم أجمل بكل تأكيد.
الدستور