سؤال المال والحال
ما زال راسخاً في التاريخ البشري أن بعد الحروب والكروب تتولد ثروات غير آبه بمن ماتوا أو تشردوا أو جاعوا أو فقدوا أحبتهم. ومن هذا، فإننا وفي العام الثاني من جائحة كورونا 2021 فقد تعزّزت ثروة أغنى 500 شخص في العالم، بأكثر من تريليون دولار( ألف مليار)، وبالتالي تصبح ثورات مليارديرات العالم 8.4 تريليون دولار فقط، وهذا الرقم أكثر من الناتج المحلي الإجمالي لجميع بلدان العالم، باستثناء الولايات المتحدة والصين.
الثروات الهائلة التي جمعها هؤلاء الذين يشكلون ما نسبته 0.001% من سكان العالم فقط، حسب تقرير وكالة «بلومبيرغ» للمليارديرات تؤكد أن التعافي من الجائحة لم يكن متكافئا ولا عادلا بل كان في صالح الأكثر ثراء كانوا قادرين على الاستفادة من مكاسب الأسواق والسياسة المالية المتساهلة. وهذه نتيجة لا تصب إلا في صالح من رأى الكورونا مؤامرة عالمية محبكة النسيج.
الجائحة التي سحقت بشرا وأوجعتهم وآلمتهم، وفتكت باقتصاديات بلدان وأنهكتها، وأغلقت الجيوب بالخياطة الحمراء، وهدرت الوظائف وفرص العمل، نراها أثمرت مليارات تتراكم في الأرصدة وتتفاقم بجنون غير معقول. ولهذا يتولد السؤال: هل يخضع المال في عالم اليوم إلى قانون حفظ الكتلة، الذي علمته لنا الفيزياء. أي أن المال لا يفنى، ولكنه ينتقل من من رصيد إلى رصيد؟. وإلا كيف أثرى هؤلاء وقت انسحاق الآخرين وافتقارهم؟
ومع هذا إلا أن الناس بسذاجة ما زالت تتساءل: لماذا لا تستخدم كل هذه الأموال لمحاربة خطر الفيروسات والأوبئة والأمراض وتغيرات المناخ؟ وماذا لو وُجهت نحو محاربة الجوع أو لإنشاء صناديق دعم التعليم مثلما كان يفعل بعض من الأثرياء في السابق.
صحيح أن فيروس كورونا يقتل في كل دقيقة 7 أشخاص حول العالم، إلا أن الجوع يقتل 11 شخصاً في كل دقيقة أيضاً، لكنه يبقى قضية مسكوتاً عنها، لا تهز أرقامه وجدان وروح أثرياء عالمنا، أو حتى تشعرهم بالمسؤولية البسيطة.
دخول أثرياء جدد إلى القائمة أو خروجهم من القائمة لم يعد مهما بقدر أهمية سؤال البشرية الصامت: ألا يلمس هذا التفاقم الجنوني في الثروات جانبا مؤلما لملايين البشر الذين فقدوا أعزاءهم في الجائحة، وخسروا مصادر دخلهم، ولقمة عيشهم؟. وهل سيبقى هذا الغلو على شعور التألف والتراحم المزعوم الموهوم بأننا معاً في مواجهة الأزمة؟.
الدستور