الخيوط السبعة

تم نشره الإثنين 03rd كانون الثّاني / يناير 2022 12:42 صباحاً
الخيوط السبعة
عامر طهبوب

أقلعت طائرة الخطوط الجوية التونسية من مطار عمان القديم في ماركا، في أحد أيام آب من عام 1982 متوجهة إلى أثينا، وعلى متنها الطلبة: كايد هاشم، عبير طهبوب، كارولين فرج، جواد العمري، حسين سالم السرحان، موسى الطراونة، وعامر طهبوب. سَمح كابتن الطائرة التونسي للمجموعة بدخول القمرة، وأخذ صورة جماعية معه. أشاروا للكابتن إلى الأراضي الفلسطينية، وذهل عندما أدرك أنه على خط التماس مع فلسطين. الرحلة هدية مقدمة من شركة الرينبو للسياحة والسفر لصاحبها لمعي حدادين، مكافأة من جامعة اليرموك على نشاط المجموعة اللامنهجي. لم يكن منا من يعلم الأثر الذي ستتركه الأيام الستة في وجدانه وذاكرته المستقبلية.

أربعون عاماً مضت على يومٍ وصلنا فيه إلى فندق «بريزيدنت» في حي «أمبيلوكابي»، تفوح رائحة «الجراك»، ويجلس السياح العرب على مقاعد مطعم علاء الدين في الطرف الآخر من شارع «كيفيسييس». لا أحد ينسى المرشد السياحي قيصر، طالب سوداني يدرس الطب في جامعة أثينا، ويستخدم اسم «سيزر» في عمله. على الرغم من قصره، إلا أنه كان وسيماً جذاباً حكاءً، ويُكثر من استخدام عبارة «خَشم الباب»، للتأكيد على انتظارنا له عند وصوله في الصباح، ليقلنا في حافلة صغيرة مخصصة لنا فقط.

كان موسى الطراونة يعاني على الدوام من قلة ساعات النوم، حتى جهدنا في إقناعه أن اليوم هو الإثنين وليس الثلاثاء، وعندما اقتنع قال: «طبعاً، ما إحنا مَمِنّمش». عانى أيضاً من فقر الإفطار ومحدودية خيارات الأكل. ليس من السهل على «كركي» أن يصل إلى حالة الإشباع بزبدة وعسل، أو بيضة مسلوقة. حسين سالم السرحان وأنا، لنا اهتمامات مشتركة، امتلك حسين استعداداً جاداً ليكون شقياً. عندما كبرنا قال: كنا مشاغبين. أدهشتنا أثينا، وفتيات أثينا، وأعناق فتيات أثينا، وفكرة الإنطلاق، لكننا كنا مكبلين، ومنضبطين بالإكراه، بسبب وجود أختين لنا هما كارولين وعبير. وجود الأنثى يجبر الرجل على الانضباط والتهذيب، ليس بخاطره أحياناً، ولكن لأنه لا يستطيع أن يخرج من عقاله، ولا أن ينزع عنه ثوب أهله، والأخلاق التي تربى عليها. النزعة الشرقية المحافظة دفعتنا إلى منع كارولين وعبير من الركوب على دراجات هوائية منفصلة خشية من معاكسات الشباب. كارولين كانت مشاكسة من طراز ظريف، كأنها لم تصدق أن رجالات حرس يقفون في حالة استعداد أمام مبنى «السنتيغما»، هم من طراز البشر، كيف لا يرمش لهم طرف. اقتربت من أحدهم، وأخذت تلامس يده في محاولة لدفعه على الحركة، لكنه صمد. كايد وجواد وموسى في قمة الاتزان، حتى في خطواتهم، لم يفقدوا إحساسهم بضرورة الحفاظ على الوقار، كان سلوكهم على النقيض من شياطين تختبئ في زاوية ما، في عقلي وعقل حسين، لكنها لم تأخذ فرصتها.

تناولنا طعام الغداء في بيت «معزب حشم»، هو الدكتور نزال البيالي السرحان رحمه الله. وقفنا معاً على قمة «الأكروبوليس»، وتسكعنا في «بلاكا». بهرتنا أثينا القديمة. نسمع كل يوم عشرات الأساطير، حتى فلتت معظمها من ذاكرتنا، إلا أساطير الحب، ظلت - على الأقل في ذاكرتي -عالقة.

لم نكن نعلم أثر الصورة التي نلتقطها معاً على أعلى قمة في أثينا. لم نعرف أثر الصحبة في وجداننا، وأننا نخط في رحلتنا إلى جزر «هايدرا»، و»بوروس»، و»إيغنا»، أسطورة حب ستعيش عقوداً، بل ستعيش عمرنا معنا، ونعيش فيها، ولم يخطر ببال لمعي حدادين الذي كان على متن الطائرة بصحبة أخيه عبد الله، في طريقهما إلى تونس، ولا بخاطر دولة الدكتور عدنان بدران، والدكتور مازن العرموطي اللذين اختارا أسماءنا في أحد اجتماعاتهما خلال انعقاد مهرجان جرش، أنهم جميعاً يؤسسون إلى علاقة أخوة صلبة، وُلدت في اليرموك، ونمت في رحابها، ولكن أثينا منحتها تربة أسطورية أخرى لتغرس جذرها فيها.

وقفنا على هضاب أثينا نطلّ على بحر إيجه، وعلى سواعد بحارة يرفعون الصواري، جلسنا على بحيرة «إيفيا» نرقب حركة الماء، قبل أن نصعد إلى «خلكيدا»، ونعود مرة ثانية إلى «إيفيا»، لنرى الماء يتحرك في اتجاه معاكس لحركته في الصباح، وقفنا على تاريخ سقراط، وأفلاطون، ولوقيبوس، وهرقليدس، وفيثاغورس، نشاهد تماثيل «فدياس» النحات، وصداقته ببلوتارخ. لم نكن نعلم أننا ننحت صداقة أخرى، ليكون الوطن الأردني هو «البارثينون» الذي نعرض فيه وشيجة من خيوط سبعة، ونعود إلى عمان وقد حملنا بأيدينا الشمس والجَمال والحب والخصب والساقية والحبر والتبر، ونعود وقد عضّنا حنين إلى حضن عمان، ليسرد أحدنا الحكاية، بعضاً من حكاية، بعد أربعين عاماً، على صفحات «الدستور».

الدستور



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات