حين تبخر أطفال الحارات

تم نشره الثلاثاء 04 كانون الثّاني / يناير 2022 12:42 صباحاً
حين تبخر أطفال الحارات
رمزي الغزوي

كانت لعبة الكرات الزجاجية الملونة، القلول، أو البنانير، أو الدواحل، شريكاً استراتيجيا لعطلتنا المدرسية نصف السنوية، ولمربعانية الشتاء تحديدا. الحارات والشوارع الفرعية كانت تعج بالأولاد الصاخبين الذين يشغلهم دف اللعبة عن صقيع الأجواء ومطرها. كانت جيوبهم عامرة بتلك الكرات، والبعض منهم يكنزها في جورب عتيق. وحتى الآن، ما زالت خشخشات القلول تسكن رأسي، وترنم روحي بلذيذ أنغامها كلما تذكرتها.

كنا لا نركن إلى دفء البيوت، فالبرد لا يحجبنا عن الحارات والأزقة والأصدقاء، نلتقي على صوت جرس خفي يجرنا من آذاننا، وكل معه كراته الزجاجية الصغيرة التي كان عددها المقياس الحقيقي للثروة والتباهي والتفاخر ومجلبة للعراك والشجار. كنا نهرب من البيوت، رغم وعيد الأمهات بعقوبة تليق بجلودنا المزرقة إن عدنا متسخين، ولكننا لا نتذكر وعيدهن إلا حين نعود موحلين بالطين، ملتهبين كجمرة من فرط سعادتنا، لا نبالي بعدد الصفعات التي ستحل بنا.

تذكرت هذه المشاهد، وأنا أرثي في هذه الايام لحال الحارات والشوارع والساحات سواء في عطلة الشتاء أو عطلة الصيف، إنها خالية من أولادها، حتى في القرى. أين هم؟ أين تبخروا؟ وكيف ذابوا؟. أين صخبهم؟ مرحهم؟ حيويتهم وصيحاتهم وشتائمهم الرنانة؟ أم أنهم وقعوا في أسر هواتفهم واستعبادها ونيرها؟. يااااااه، كيف سيكبر هؤلاء دون لعب مشبع؟، كيف سيكونون أسوياء أصحاء، عقليا وروحيا وعاطفيا وجسديا؟.

أشفق على كل طفل يتربى بعيداً عن أديم الأرض، ويظل حبيس بيت كبريتي يضيق، وأصابعه لا تعرف إلا شاشات الحواسيب وأزرار الهواتف، ومقابض الألعاب. أشفق على كل من لا يلعب ويصخب ويعيش طفولتها وأسال: كيف سيكبر؟!. وهل يكبر الأطفال دون أقامة مدائن من خيال وأمنيات وألعاب وصداقات؟!.

ربما يغفل الأهل كارثة أن يوغل أطفالهم في عالم الكمبيوتر، والبلاي ستيشن، وجنون الهواتف الذكية، ومواقع التواصل واللهاث خلف اليوتيوب. ولربما يغفلون أهمية أن نبعدهم قليلاً عن هذا العالم الجارف القاتل الآسر ولو قليلاً؛ كي لا يتحولوا إلى كائنات منطوية على ذاتها، أنانية استحواذية معقدة.

التربية الحديثة تؤمن أن اللعب ينمّي الأولاد، وأنه وسيلة للتعليم الفعال، وبه يفرغون طاقتهم؛ فيصقلهم ويشذبهم. ولهذا تعمد المدارس التي تراعي نفسية الطفل وعقليته، أن توفر التراب والرمل والطين؛ ليصوغوا طاقتهم بالطريقة التي يريدونها. ولنتذكر دائماً أن طفلاً ينشئ بلا لعب، سيصبح مشوش الشخصية، مهزوز الوجدان، قاصر الخيال.

مرحى للعب ومرحى للعودة إليه.

الدستور



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات