الصفقات الثلاث لتمرير منظومة التحديث السياسي
بإقرار التعديلات الدستورية من النواب انفتحت الطريق على عرضها أمام مشروع قانوني الأحزاب والانتخاب لتكتمل منظومة التحديث السياسي. ولم يحدث هذا دون صفقات.
أنجزت في الواقع ثلاث صفقات لكسب التأييد وتهدئة المخاوف وتليين المعارضات وتحقيق التوافق وإنجاز المهمّة. وقد أدهشتني بصورة خاصّة الصفقة الأخيرة التي بدا وكأنها تحققت عرضا دون ترتيب مسبق وفي آخر لحظة عند التصويت في مجلس النواب على آخر الفقرات في التعديلات على الدستور.
الصفقة الأولى جرت مبكرا في التعديلات الدستورية التي تضمنت تحييد عدّة مواقع حساسة عن التجاذبات الحزبية وحصر تعيينها بيد الملك مقابل التحول نحو البرلمانات والحكومات الحزبية. والصفقة الثانية ضمان موقف مجلس النواب من المشروع بإعطاء رئاسة المجلس للقطب الأقوى الذي يمكن أن يهدد المخرجات بمعارضة شرسة. أمّا الصفقة الثالثة فهي التعديل الجامح في آخر لحظة على المقترح الذي يطلب موافقة ثلثي الحضور من النواب لإدخال أي تعديل لاحق على قوانين مثل قانون الانتخاب والأحزاب بعد إقرارها.
كان المقصود باشتراط أغلبية االثلثين أن لا يترك لأي اغلبية حزبية قادمة ان تعدل هذه القوانين على كيفها ولمصلحتها الخاصّة بل ان يخضع أي تعديل للتوافق الأشمل بين مختلف المكونات السياسية. هنا طرح بعض النواب ضم قانون الجنسية وقانون الأحوال المدنية لشرط الثلثين ولسان حالهم يقول نحن نخاف أيضا على هذه القوانين من «التحديث السياسي» والمقصود هو المخاوف بشأن تجنيس أبناء الاردنيات والشكوك بأن مشروع الإصلاح السياسي أتي برغبات خارجية تضمر أهدافا مثل تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن عبر مشاريع الوطن البديل. الخ، وعلى جبهة أخرى مخاوف الإسلاميين وغيرهم من توجهات للتجاوز على الشرع وعلى الهوية الدينية للمجتمع وعلى الأعراف والتقاليد. هنا بادر رئيس الحكومة وعلى الفور لتأييد مقترح ضم هذه القوانين الى شرط الثلثين لضمان عدم التلاعب بقانوني الجنسية والأحوال المدنية بل وأكثر من ذلك تأييد شرط الثلثين من أعضاء المجلس كاملا وليس الحضور فقط! كانت هذه قفزة كبيرة وجريئة لا أجزم إن كان مخططا لها أم ان الرئيس اقتنص اللحظة لتسجيل تسديدة محكمة في مرمى الخصوم والمشككين بمشروع التحديث السياسي فقد زاود[JN1] عليهم بالتشدد كجارس للمصلحة الوطنية الأردنية وأيضا للشرع الإسلامي.
الرئيس أيّد ومدح كثيرا تعديل اللجنة القانونية على مقترح مجلس الأمن القومي لتنقيته من أي شبهات دستورية (مصادرة صلاحيات الحكومة التنفيذية ومجلس النواب الرقابية) وهو على الأرجح كان شريكا في صياغة هذا التنقيح الذي سحب البساط من تحت اقدام المعارضين للمجلس لكنه بتأييد الإضافة الأخيرة لقانوني الجنسية والأحوال المدنية وتحصينهما بنفس درجة الدستور بدا كأنه أكثر تشددا في تحصين المستقبل ضد المخاطر المحتملة للتحديث السياسي والتحزيب على الهوية الوطنية والدينية للأردن. رئيس الحكومة وجه رسالة سياسية قوية بهذا الشأن وهو غدا وفي مناقشة قوانين الانتخاب والأحزاب يستطيع إشهار هذا التعديل المتشدد في قانوني الجنسية والأحوال المدنية في وجه كل مشكك وطنيا أو عشائريا أو إسلاميا بمشروع التحديث السياسي. لكن السؤال الذي يطرح نفسه فنّيا وتشريعيا (وليس سياسيا).. هل يجوز تحصين قوانين ضد التعديل بهذه الدرجة وهل يجوز إقرار قوانين بالأغلبية البسيطة ثم اشتراط الثلثين لتعديلها. وكيف نعطي الثلث المعطّل على قوانين قد تظهر الحاجة في أي وقت لاحق لتعديلات فنّية عادية عليها؟! لعل الصفقة الأخيرة شابها بعض الشطط في تقديم الضمانات وربما نحتاج الى حل وسط بمسألة العدد.
الدستور