معركة الانتخابات البلدية
من الشعارات الممجوجة التي تُظهر ما لا تبطنه: شعار «البلدية ليست تشريفاً بل تكليف». فالحقائق اليومية المعاشة تقول عكس هذا تماماً. فالبلدية ورئاستها تشريف في عرفنا ونظرتنا ورؤيتنا، وإلا ما الذي يجعل الناس تكد بقضها وقضيضها وتتهالك لإيصال اسمها إلى هذا الموقع الخدمي.
البلدية بيقينهم ويقين أقاربهم وأنسبائهم وذويهم تشريفٌ و(جعصة) ومكانة وإمتيازات ومنفعة وعلو شأن. ولهذا فالناجح ليس رئيسا لنفسه بل لربعه. وهذا يفسر ما نراه من صخب واحتفالات حينما ينجح أحدهم. وما يفسر غضبتهم وحنقهم على الدولة والحياة والأشجار؛ إذا ما رسبوا.
مبررة هذا بتكتيك وحدة الصف، وكأن الانتخابات معركة للسيوف أو تبادل للركلات، وتصرّ على عدم تشتيت الأصوات، حين ينبري فيها أكثر من مرشح.
الصناديق الداخلية التي غضت الحكومة الطرفة عنها، ليست فقط مخالفة لأوامر الدفاع، بل هي خرق دستوري واضح وكبير. وهي ليست وجها ديمقراطياً، حتى ولو تمت بطريقة ديمقراطية. فهذه الصناديق تشكل قيداً على حرية الأفراد ترشحاً وتصويتاً. فمن خلالها عليك أن تنال قبولا قبل أن تطرح نفسك على المجتمع، حتى لو كنت بمكانة تؤهلك لهذا من تلقاء نفسك، حيث العدد هو سيد الموقف، دون النظر إلى فردية التفوق والتميز والإبداع. كما أن هذه الصناديق تقصي الآخرين الأقل عدداً ، مهما امتلك أحدهم من صفات تؤهلهم للنيابة.
الأخطر أن هذه الانتخابات الداخلية تستثني نصف المجتمع من المشاركة فيها تصويتا: المرأة. مع أنها أكثر تشكل أكثر من نصف الناخبين، لتصير مجرد قوى انتخابية ضاربة تابعة للأخ أو الأب أو الزوج أو الابن. وأن ترشحها أصبح بقرار من الرجال، الذين يحق لهم التصويت وحدهم فيها.
الطامة الكبرى أن عليك أن تجري وراء المرشح الفائز بالصندوق وتناصره وتؤيده وتروّج له وتدعمه وتقاتل وتخاصم من أجله، حتى ولو كان شريطة على عواد. أي عليك أن تختاره، ولو لم يكن يستحق.
كنت آمل أن يظهر تيار في كل بلدة أو محافظة من المتنورين الشيّاب والشباب، يلتفون حول شخوص اجتماعية وازنة لمقاومة هذه العودة القهقرية الخطيرة حيث (العدد) هو مقياس المفاضلة بين الناس. لكن للأسف لم نلمس تحركاً حقيقياً من هذا النوع، رغم مناداة البعض به.
الغالبية العظمى اكتفت بالصمت والركون والاستسلام ووضعوا رؤوسهم بين الرؤوس، وقالوا يا قطاع الرؤوس.
الدستور