دلالات تدفق النفط الإيراني إلى الصين
اعلنت الحكومة الصينية ضخ 4 ملايين برميل من النفط الايراني في خزانات الاحتياطي بمدينة تشانجيانغ الساحلية جنوب البلاد؛ لتعويض الفاقد من الاحتياطي الصيني الذي ضخته في السوق تضامنا مع الولايات المتحدة الامريكية الشهر الماضي.
الصين اضطرت إلى اعادة رفع المخزون الاحتياطي بالنفط الايراني بعد استجابتها لدعوة الرئيس بايدن إلى ضخ النفط من خزانات الاحتياطي في محاولة لخفض الاسعار؛ للضغط على المنتجين في "أوبك"، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وشريكتها روسيا في اتفاق "أوبك +".
الإعلان الصيني عن ضخ نفط ايراني في مخزونها يعد الأول من نوعه، ويترافق مع إعلان الصين استيراد مليون و900 الف برميل من إيران في ديسمبر كانون الاول من العام الماضي، علمًا أن التقديرات تؤكد استيراد الصين 6% من احتياجاتها للعام 2020 من إيران بمعدل 500 الف برميل في اليوم، لتحتل بذلك مرتبة متقدمة بعد السعودية التي توفر 17% من احتياجات الصين اليومية، وروسيا التي تحتل المرتبة الثانية بمعدل يقترب من السعودية (14%)، والعراق الذي يقارب 10%.
الإعلان الصيني وعلى نحو مفاجئ لم يتسبب بمعركة دبلوماسية بين الصين وأمريكا، ولم يرفع حدة التوتر بين البلدين، فعلى الرغم من تأكيد الخارجية الامريكية التزامها بالعقوبات النفطية على طهران، إلا أنها ترى في الاعلان الصيني استثناءً جديدًا من العقوبات المفروضة على طهران لا يختلف عن الاستثناء المقدم للعراق؛ إذ قللت الخارجية الامريكية من اهمية الاعلان الصيني باعتباره إشكالًا يُعالَج عبر القنوات الدبلوماسية.
في المقابل احتفت طهران على طريقتها الخاصة بالاعلان عن بدء سريان اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع الصين على لسان وزير خارجيتها حسين امير عبد اللهيان منتصف الشهر الحالي الموافق 15 يناير كانون ثاني.
في المحصلة النهائية، امريكا لن تعاقب الصين على تعاونها واستجابتها لدعوات بايدن بتحرير جزء من احتياطاته النفطية الشهر الفائت للضغط على اوبك وروسيا، ولن تعاقب ايران على رفع معدل الإنتاج مخترقة جبهة دول "اوبك+" التي تقف على رأسها السعودية وروسيا، سواء كان في اسواق الطاقة العالمية أم في السوق الصيني.
العالم مليء بالتناقضات الشديد السيولة، فلا يقين فيه، فالجد فيه هزل، والهزل فيه جد، والعقوبات الجادة على ايران من الممكن ان تتحول الى هزل في أسواق الطاقة. ومن الممكن أن تكون ايران عدوًا لأمريكا، وحليفًا خَطِرًا للصين وفق الشراكة الاستراتيجية الصينية الايرانية الموقعة في آذار من العام الماضي 2021، لكنها في الآن ذاته سلاح نفطي مزدوج الاستعمال لكبح طموحات روسيا بالهيمنة على اسعار الطاقة والاسواق العالمية.
في المقابل، فإن جدية الناتو في حصار روسيا من الممكن ان يتحول الى هزل بفرض المزيد من العقوبات في حال اجتياحها أوكرانيا؛ فروسيا من الممكن ان تكون عدوًا لأمريكا يتهدد اوروبا، ويتمدد في عمقها، لكنها في الآن ذاته خصم محتمل للصين وإيران وتركيا.
تصورات ورؤى امريكية متناقضة لم تقف حائلا امام الدول الثلاث (الصين وروسيا وايران) لتطوير علاقاتها، واطلاق مناورات بحرية شمال المحيط الهندي في وقت تتعاظم فيه الشكوك والشروخ بين دول الناتو شركاء أمريكا الإستراتيجيين.
أمريكا اضطربت بوصلتها لتضطرب معها بوصلة الحلفاء في الناتو، اذ باتت مشدودة بين المحيط الاطلسي والهادي؛ ففي حين انشغلت واشنطن بأسعار النفط والتعافي الاقتصادي المتعثر والبطيء، كان شركاؤها في اوكرانيا وحلفاؤها في الناتو يطالبون بالمزيد من العقوبات على روسيا، وإرسال شحنات السلاح إلى أوكرانيا. وفي الوقت الذي انشغلت فيه امريكا بمفاوضات فيينا مع طهران كانت حاملات الطائرات النووية تجري مناورات بحرية مع اليابان؛ لإدخال السكينة والأمان في قلب طوكيو بعد تجارب كوريا الشمالية الصاروخية البالستية التي عبرت فضاء الجزر اليابانية دون استحياء او خوف.
الخلاصة: الهزل الامريكي في إطلاق العقوبات والوعود الجادة لأوكرانيا وبحر الصين والخليج العربي لا يعالجه هزل المناورات البحرية والمساعدات العسكرية الباهتة.
الدستور