شعارات التشجير الباهتة
هناك ما هو أكثر دهشة من زهرة برية تشقُّ وجه الإسفلت؛ لتصنع الحياة في أصعب ظروفها وابهى معانيها. وهنالك ما هو أكثر دهشة من شجرة تين وجدت سبيلاً للعيش في أكتاف سيق البتراء. فعندما يُقطع جذعُ زيتونة سترى الدهشة العامرة، فمكان الجذع المبتور ستخرج عشرات الأغصان، بكل عنفوان وكأنها تقول: الحياة أقوى من الموت. نحن أغصان التعويض.
ولأن «مصابنا الشجري» كان عظيماً عقب الموجة الثلجية نهاية الأسبوع الماضي، فلربما كان يتوقع البعض منا أن يخرج الأردنيون شيباً وشباباً بثوران لزراعة ملايين الأشجار عوضاً عن آلاف كسرها أو قتلها ثقل الثلج. أي أن نهجم على الحياة محمولين على فلسفة أغصان التعويض، كالتي تنتهجها شجرة الزيتون حول الجذع المقطوع.
للأسف يبدو أن الواقع بعيد عن هذه الشاعرية، أو عن هذا الأمل العريض وأمانيه المستحيلة، فلا أحد بات معنياً بالشجرة وحياتها أو موتها. لا أحد يعنى إلا بجزها وتقطيعها؛ لتتحول إلى دقائق من دفء في مدفأة حطبية ومواقد رخامية. كنت أتمنى أن نثأر من تلك الخسارة بالزراعة. لكن الأحلام تبقى أحلاما وتموت في مهدها.
أجدادنا في عجلون يقولون إنه في سنة جاءت بثلج كثيف وغزير، ولهذا خرجوا ليلاً إلى كرومها وبساتينهم، ومعهم شواريط (الشاروط عصا طويلة قوية لها شعبة)؛ كي يهزوا أجنحة الزيتون؛ ليحموه من التكسر والتفلخ تحت وطأة هذا الزائر. وقد نجحوا إلى حد كبير في مسعاهم رغم ما ذاقوه من برد ومعاناة.
معظم الشجر المنكوب في عاصفتنا هذه كان من اللزاب. وهو جميل سريع النمو يصل إلى ارتفاعات عاليه شامخا، لكن جذوره سطحية لا تضرب عمقا في الارض، ولهذا يسقط ضحية في كل موجة ثلج. والحل ليس في شواريط تهز أجنحته، مع أن هذا قد يبدو معقولا، بل يكمن في طريقة علمية في تقليم وتشذيب جذوعه وأجنحته، كي لا يسقط تحت وطأة الثلج. وبهذه الطريقة تحمي لبنان وتركيا واليونان شجر لزابها.
من يمر في شوارع المدينة الرياضية أو في الجامعة الأردنية ستبكيه الكارثة أو المجزرة التي أصابت هذا النوع من الشجر تحديدا، وهو كان ضحية عاصفة «إليكسا» قبل ثماني سنوات إذا كنتم تذكرون. ويومها أطلقت حملات وشعارات للتشجير؛ كتعويض عن الخسارة البالغة. لكن ومع مرور كل تلك السنوات إلا أننا لا نرى أثرا لها على ارض الواقع. أين ما زرعته تلك الشعارات؟ تباً للشعارات الباهتة.
الدستور