عدنان أبو عودة وسر السمعة
في شهر حزيران 2007 اجريت مع الراحل عدنان ابو عوده حوارًا لمجلة المجلة اللندنية، (ونشر بالتزامن على موقع عمون) كان غاية في الجرأة والوضوح، وجدد دعوته لحل السلطة الفلسطينية، وكعادته يفجر الراحل الكثير من الأسئلة والاستفهامات، حول النضال الفلسطيني ومسار السلام والحق الفلسيطني، وكذلك الحال في السؤال عن الملفات الاردنية.
لا أدعي هنا أني صديق للراحل، لكن اعتقد أنه كان بيننا مودة، وكنا جميعا من دائرة معارفه أغنياء به جميعا، كان ذا فراده في النخبة الوظيفية الاردنية بفرادة لا حدّ لها، وقد شغل كل المناصب المهمة في الأردن من مستشار ملك إلى وزير بلاط إلى رجل مخابرات مسموع القول، إلى ممثل للأردن في الأمم المتحدة إلى عضو مجلس وطني استشاري، إلى وزير اعلام أردني في ظرف حرج وغاية في الدقة، وفوق ذلك كله كان من الحاسمين في دائرة قرارات وخيارات الملك الحسين رحمه الله، وليس ادل على ذلك من دوره في صياغة اهم قرارات الأردن مع القضية الفلسطينية وهو قرار فك الارتباط 1988 والذي كان من صياغته .
كان أبو عوده في كل ذلك وفي تلك المواقف، حصنا أردنيا منيعاً، وواضح بكل ما للكلمة من معنى، ظلّ وفيا للدولة، والمؤسسات التي خدم بها، وكذلك لعلاقة التي ربطته بالملك حسين.
لكن السؤال هنا عن السمعة التي بناها ابو عوده، وسرها كان يكمن في قدرته على الاستقلال بالرأي، لم يكن يتبهنس او يتردد، بل كاشف وواضح إلى حدّ يزعج البعض، ويجعل جرأته مدار سؤال عند الجنباء ممن يرون أن على رجل الدولة الصمت، تلك مبالغة لا تستقيم والتاريخ الذي يبجب أن يخرج من صدور الرجال.
نعم كان عدنان أبو عودة مستقلًا، ورائدًا في التدوين والتوثيق اليومي، وهو ما كان حصيلة يومياته والمستدرك عليها وهما عملين كبيرين نشرهما المركز العربي للابحاث في الدوحة، وكان العمل عليهما مظنٍ وكبير.
وحين كُلّفت بمراجعة عمله الأول وهو اليوميات بين عامي 1970-1980 قد اخذت وقتا طويلا في المراجعة، ولكن الامهم أنك تتعلم منه، والأهم أنك ترسل إليه الطلاب للتوثيق والإفادة منه في رسائلهم، أنه كان يفتح باب داره لهم أو يأتي للجامعة ويقابلهم، على الأقل ذلك ما فعله مع طلابي في الدكتوراه، في حين أن آخرين كنا نلتمس منهم ذات الطلب ويتمنعون للأسف بطرق وأسباب واهية.
رحمك الله أبا السعيد، وغفر لك. فقد كان غيابك خسارة فادحة، وحسبنا إنا لله وإنا إليه راجعون.
الدستور