حقيقة الإيمان: "إن قالها فقد صدق"
في حادثة الإسراء والمعراج التي نتفيأ ظلالها مواقف ومعان كثيرة جدا، وكل موقف ومعنى فيها يعطي دفقة إيمانية كبيرة جدا.
من تلك المواقف، موقف لا يتعلق بالحادثة بشكل مباشر، لكنه يلخص معنى الإيمان والتسليم الكامل لله عز وجل، وهو موقف يرد على كل تلك الشبه التي تثار بين الحين والآخر حول حادثة الإسراء والمعراج.
في السيرة أن أبا جهل مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم صباح أسري به، وسأله مستهزئا؛ هل عندك شيء اليوم يا محمد؟ فقال الرسول: نعم، لقد أسري بي الليلة إلى بيت المقدس. فاستهجن أبو جهل ذلك؛ كيف تسير إلى بيت المقدس وتعود بليلة واحدة، وهي رحلة تستغرق أشهرا.
يقول أحد الدعاة إن أبا جهل تلقف ذلك وكأنه وقف على كنز عظيم، إنها لحظة فارقة يمكن أن تحطم دعوة محمد، إذ كيف يتخيل عاقل هذا. فأراد استغلال الحادثة للهجوم على الدعوة، فقال للرسول: أترى إن جمعت لك أهل مكة أتحدثهم بما حدثتني به؟ فقال له الرسول: نعم.
فقام أبو جهل ينادي على أهل مكة يجمعهم، حتى إذا اجتمعوا قال أبو جهل للرسول: حدثهم بما حدثتني به. فحدثهم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس. فقالوا متعجبين: وأصبحت بين ظهرانينا؟
فرح أبو جهل بردة الفعل تلك، كما أنه فرح بارتداد بعض من أسلم، فأراد أن يستغل هذا الحدث بخبث، وأراد بخبث أن يضرب الدعوة من داخلها ويهدم ركنا أساسيا فيها؛ إنه أبو بكر صاحب رسول الله، فإن استطاع أن يحدث شقا بينه وبين رسول الله فإنه يكون قد ضرب الدعوة الإسلامية في مقتل، وربما يؤدي ذلك للقضاء عليها.
سارع أبو جهل وثلة من المشركين إلى بيت أبي بكر، وطرق عليه الباب. فوجئ أبو بكر بهذا الجمع، فبادروه بالقول: هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أُسري به الليلة إلى بيت المقدس؟ وكانوا يراقبون وجه أبا بكر ليروا أثر ووقع قوله عليه. فرد عليهم: أو هو قال ذلك؟ قالوا: نعم. فبهتهم عليهم رضي الله عنه برده، وقال: إن قالها فقد صدق. فخيب ظنهم ورد كيدهم إلى نحورهم وعادوا إلى دار الندوة خائبين.
إنه النهج الإسلامي: التعويل على صدق الرواية لا على منطقها.
الدستور