العودة
لولا أنني أعترف بالكِبَر في السن قليلا، لوضعت حذائي الليلة تحت مخدتي، في انتظار أن يطلع الفجر، لا أتوه عنه، ولا يتوه عني، تماماً كما كنت أفعل في الأعياد عندما كنت صبياً، أعرف جيداً أنني لن أنام الليلة نوماً عميقاً، أعيش الارتحال بأزهى صوره، أُعِدُّ حقيبة العودة، عندما تكون عمان وجهتنا، نُطلق على الحقيبة اسم العودة لا السفر، إنها «حقيبة العودة»، لها طعم مختلف عن طعم حقيبة السفر، أنتظر طلوع الفجر، وحتى الحقيبة تقف على تخوم الانتظار، لأصحبها فنصافح معاً «سبعاً من جبال الله في وطنٍ، يزهو به نجم الثريا حين يأتلِقُ».
غداً سيعانق جسدي قلباً تركه وراءه، وعاش سواه ينتظر جمع الشمل، سأقول لعمان ما قاله علي عبد الله خليفة: أتيت يا عمان والأشواق راحلتي، أطوي إليكِ الدربَ والأحلام تستبقُ»، سأهمس في أذن جدائل عمان: «قد حمَّلَتني لكِ الشطآن زُرقتها، واللُّجُّ يهديك ثماراً شفَّها الشَّفَقُ». سأعانق أدراجها، وأعيد على مسامعها ما قاله في حبها أنور العطار: «عمان حلم تناجيه قوافينا، فتستفيق على النجوى ليالينا».
وغداً سألتقي حيدر محمود، وسأنشد معه: أرخت عمان جدائلها فوق الكتفين، فاهتز المجد وقبّلها بين العينين، بارك يا مجدُ منازلها والأحبابا، وازرع بالورد مداخلها باباً بابا»، هذه هي عمان، عيناً، ميماً، ألفاً، نون»، كما قال البياتي، إنها عمّان، لا تحتاج إلى شرح طويل، ألا يكفيها أدراجها الطويلة، وحكاياتها التي لا تنتهي، وقصص أهلها للمشتهي والمشتكي، عمان لا تحب الإطالة، حتى في عبارات الغزل، عمان تختصر الكلام، تميل إلى المختصر المفيد، وتحب النوم باكراً، والصحو عند صلاة الفجر، ألفت الصحو على أذان الفجر، وألفت صوت قرع أجراس الكنائس، وتناول وجبة إفطار خفيفة، حتى تحافظ على نشاطها وحيويتها ورشاقتها.
وغداً سأردد أبيات سميح القاسم: لا تأسَ عبد الله جدّك هاشمٌ، كم شيَّعَ القربانُ بالقربانِ، لا تأسَ أفواج النشامى عمَّدَت، شرف العروبةِ في دمِ الفرسانِ»، وغداً سأتلو على نفسي ما قاله الرافعي: ألم ترَ الطيرَ إن جاء عشّه، فآواهُ في أكنافه يترنَّمِ، وما يرفعُ الأوطانَ إلا رجالها، وهل يترقّى الناسُ إلا بِسُلَّمِ».
الدستور