العرب وايران والنظام الدولي الجديد
عندما قدم الخميني من منفاه الفرنسي بعد أن مكث ردحا من الزمان في العراق أطلق ما يعرف بـ تصدير الثورة ، وتم تبني الأمر رسميا وبفتوى دينية ما أدى للحرب العراقية الايرانية التي استمرت ثماني سنوات انتصر فيها العراق وجرع الخميني السم الزعاف .
خلال الحرب تبين أن ايران كانت تتعاون مع اسرائيل وتتزود بالأسلحة الاسرائيلية ، وما قصة الكونترا ونيكاراغوا سوى فصل من هذه الفصول الفضائحية التي لطخت هذه الثورة " الاسلامية " المزعومة المتحالفة مع الشيطان .
وبعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك ، واحتلال افغانستان ، تكشف من خلال مذكرات سفير امريكا في افغانستان والعراق زلماي خليل زادة أن تحالفا سريا تم طبخه بين ايران وواشنطن ، حيث زودت الاستخبارات الايرانية نظيرتها الأميركية بكل ما تحتاجه عن حكومة قندهار وليتبين ، وفق المذكرات ، أن الطائرات الامريكية كان مسموحا لها الدخول والخروج من أجواء ايران بطولها وعرضها للقضاء على طالبان التي آوت اسامة بن لادن ورفضت تسليمه لجورج بوش الأبن وبقية القصة معروفة .
في العام 2003 تم احتلال العراق ، وليتضح من خلال بريمر ، الحاكم الأمريكي للعراق إبان الإحتلال ، ومن قبل السفير زادة نفسه أن اتفاقا ايرانيا امريكا تم إنضاجه آنذاك، تقوم ايران بموجبه بتزويد الجانب الأمريكي بمعلومات استخبارية عن العراق بحكم عملائها وسنوات الحرب الثماني وغيره ، وأن تفتح الأجواء الايرانية للطائرات الأمريكية لقصف العراق واحتلاله ، نظير حل الجيش واجتثاث البعث وتسليم هذا البلد للإيرانيين بعد الإطاحة بصدام ، وعندما سئل بريمر بعد تقاعده في لقاء صحفي " موجود على يوتيوب " قال : يكفي السنة أنهم حكموا العراق ألف سنة ، والدور للشيعة، وهم حلفاء وأسهل لنا " وبالفعل أصدر علي السيستاني "ولنلاحظ أن سيستان محافظة في ايران " أصدر فتوى بتحريم قتال الأمريكان المحتلين ، وهكذا كان ، حيث لم يقاوم الإحتلال الأمريكي غير العرب السنة ، وبهذه المناسبة نستذكر كيف أن التيار الصدري باع أسلحته للأمريكيين الذين وضعوا سعرا لكل بندقية ، حيث وافق مقتدى الصدر حينها وتم نسليم الأسلحة نظير الدولارات الأمريكية .
وعندما انطلقت الثورات العربية قاتلت ايران إلى جانب الأنظمة ، وليس هذا فحسب ، بل قامت باستغلال ظروف هذه البلدان وغرس عملاء لها نرى آثارهم وأفعالهم اليوم في كل العواصم العربية التي قالت ايران إنها تحتلها .
هناك عشرات المحظات التي تؤكد وترسخ مفهوم بات عقديا لدى المراقبين وهو أن ايران تعمل في الليل والنهار استغلالا لأي فجوة أو ظرف في أي بلد عربي وإسلامي ، ويكفي أن نتذكر ما قاله موسى ابو مرزوق ذات تصريح : أن الإيرانيين طلبوا منه التوسط لدى عمر البشير لفتح ابواب السودان لايران كي تنشر مذهب ولاية الفقيه إلخ ..
وقبل ايام زار كلا من كييف وموسكو وفد عربي رسمي عارضا الوساطة ، اي أن هذا أقصى ما يمكن أن يفعله العرب : حيث يتوسطون لوقف حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، في الوقت الذي قالت فيه تقارير معلوماتية أن الايرانيين يستغلون الآن الضعف الروسي لترسيخ اقدامهم في المنطقة عموما ، اي أن هذه الحرب بالنسبة لهم ليست مجرد حرب في أوروبا ، بل إن وراءها كتابة جديدة لنظام دولي جديد بعد أن تأكد بأن الأمريكيين والانجليز والحلف الأنجلو سكسوني لا يمكن أن يوافق على وقف هذه الحرب ، بل سيشغلون روسيا فيها سنوات طويلة من أجل التفرغ للصين ، ويتجلى للمراقب ذلك من خلال تصريحات زيلنسكي المتناقضة والتي يعود سببها لكونه لا يملك خيار التفاوض إلا بما تمليه عليه الولايات المتحدة ولندن . .
إذن : فإن العرب ، وفي غمرة الإنشغال بإعداد النظام الدولي الجديد يتوسطون لوقف الحرب بغية الحصول على فتات القمح وزيت دوار الشمس والذرة ، بينما يقوم الايرانيون بتخصيب اليورانيوم لأكثر من 60 % والإعلان عن بناء محطات نووية جديدة بقدرات ذاتية .
العرب دائما خارج التغطية ، مع أن لديهم من اسباب القوة ما يقلبون فيه الطاولة على رؤوس الجميع ، ولكن هيهات هيهات لما تحلمون .
جى بي سي نيوز