تطوير التعليم الحل الوحيد لمشاكلنا
لا يجادل أحد أن التعليم بمفهومه التقليدي أصبح عبئاً على الدول وقدرتها على حل مشكلة تزايد نسب البطالة المرتفعة، لذا فإن مواصلة ذات استراتيجيات التعليم هو مغامرة بمستقبل الدولة بحد ذاتها.
متطلبات الفرص الوظيفية لم تعُد كما كانت قبل عقد من الزمان بل أصبحت بحاجة إلى مهارات وقدرات تكنولوجية متطورة، الأمر الذي يجعل من الشهادة الجامعية التي جاءت نتيجة تعليم تقليدي مجرد «برستيج» اجتماعي ولن يكون لها أي قيمة في المستقبل الوظيفي لحاملها.
الحياة متجهة نحو الذكاء الاصطناعي وعالم الميتافيرس والقدرات التكنولوجية فائقة التقدم، وهذه العوالم دخلت كل قطاعات الحياة بدء من التجارة وانتهاء بالطب والهندسة، وأي خريج جامعي غير مؤهل للتعامل مع التوجهات الجديدة لن يكون له مكان في سوق العمل خلال العقد المقبل، وسيصبح عبئاً على الدولة والمجتمع، فالأمية لم تعُد اليوم عدم القدرة على القراءة والكتابة بل عدم القدرة على التعامل مع توجهات العصر.
وزارة التربية والتعليم وزارة سيادية والتعامل معها ضمن وزارات الخدمات فيه إغفال وقصور في فهم المستقبل وإلى أين يسير العالم، مما يتطلب إعادة التفكير جذرياً باستراتيجيات التعليم ومدى موائمتها لعالم اليوم، إذ أن تجاهل هذا الأمر لن يفضي إلا إلى المزيد من التراجع في كافة المجالات، فالتعليم هو أساس تطور الدول ونهضتها.
في مرحلة سابقة كان الأردن سباقاً في قطاع التعليم، وهذا ما جعل منه نموذجاً للتعليم الجامعي في المنطقة العربية ومحجاً للراغبين للباحثين عن جودة التعليم وقبلة للراغبين في العلاج الطبي المتطور، كما كان خريج الجامعات الأردنية له أفضلية في فرص العمل الخارجية، إلا أن تحجرنا في تلك المرحلة وعدم قدرتنا على تحديث استراتيجياتنا أدى إلى اختناقنا في تلك الرحلة بينما العالم من حولنا يسير بسرعات فائقة تجاه التطوير والتحديث.
الأفضلية التي كانت تتمتع بها جامعاتنا لم تعُد تذكر، وتعليمنا ما زال في عالم «الدوسيات» والتلقين واختبارات القدرات ليست أكثر من اختبار للحفظ في الغالب واختبار للحظ أحياناً، وهذه كلها أصبحت من الماضي، ولا أحد يعطيها اهتماماً عند الحديث عن متطلبات الوظائف حالياً ومتطلبات المستقبل.
والحديث عن التعليم الجامعي بالضرورة يقودنا إلى التعليم المدرسي، إذ لا يمكن أن نبدأ عملية التطوير من المرحلة الجامعية، فمن قضى سنوات طويلة ضمن نموذج تعليمي تقليدي لا يمكن له أن يتعامل فجأة مع نموذج جديد فقط لكونه دخل الجامعة، فالمهارات والتعليم حالة تراكمية تبدأ منذ رياض الأطفال ولا تنتهي ما دام الإنسان باحث عن العلم والتعلم.
باختصار، فإن قدراتنا التعليمية أضحت من زمن غير هذا الزمن، وطلابنا خارج سياق منظومة التعليم الجديد، وبدون النظر خارج الصندوق الذي تقوقعنا به، ستبقى نسب البطالة مرتفعة، وستبقى قطاعتنا متراجعة، فأي قطاع بحاجة لكوادر بشرية مؤهلة جيداً بحيث يواكب المستجدات في العالم، لذا علينا باختصار البحث عن عقول تدرك تماماً ماذا يعني المستقبل، لا عقول علقت في تعليم السبعينات من القرن الماضي لتضع استراتيجيات هي بحد ذاتها بعيدة جداً عنها.
الدستور