بيئة الاستثمار والحرث في البحر
لمواجهة أزمات الوضع الاقتصادي في الأردن علينا أن نعترف أولاً أن المشكلة ليست في التشخيص ومعرفة الحلول المناسبة بل في آليات العمل ووضع التوصيات التي تصدر من الجهات الرسمية والاقتصادية موضوع التنفيذ، بحيث نقلل من التأثيرات السلبية على أقل تقدير.
تقرير «حالة البلاد» لعام 2021 الذي صدر مؤخراً تناول بيئة الأعمال والاستثمار في المملكة، وما يحيّر في الموضوع أن التوصيات التي تضمنها التقرير لتعزيز بيئة الاستثمار في غالبيتها توصيات نتحدث عنها منذ أكثر من عقدين، وخاصة فيما يتعلق بالنافذة الاستثمارية والربط الالكتروني وتحديد القطاعات ذات الأولوية والحوافز الاستثمارية.
توصيات التقرير بكل أسف لم تأت بجديد، فما تضمنته قُتل بحثاً من سنوات طويلة، والجميع يدرك تماماً أهمية استقطاب الاستثمار الخارجي لمواجهة المشكلة الأهم في الأردن وهي مشكلة البطالة، والكل يعرف أن المستثمر باحث عن فرص وتسهيلات ومرجعيات موحدة، وتكرار ذات التوصيات من الجهات المختلفة يعني بالضرورة أن هناك حكومات غير معنية بالتفاعل والتعامل مع هذه التوصيات وتطبيقها، لتبقى حبراً على ورق، يتم تكرارها في كل تقرير أو ورشة عمل ليس أكثر.
بالأمس أُعلن عن مبادرة الشراكة الصناعية التكاملية بين الأردن والإمارات ومصر وهي في مضمونها شراكة استثمارية، تركز على الفرص المتاحة في البلدان الثلاثة، وعلى هامشها توقيع المبادرة أكد رئيس الوزراء أن الحكومة تركز على جذب الاستثمارات الأجنبية في قطاعات مختلفة مثل البنية التحتية ومشاريع الابتكار والهيدروجين الأخضر واستخراج المعادن، فإذا ما زلنا نتحدث عن موضوعات مثل توحيد المرجعيات والربط الالكتروني فكيف لنا أن نعزز الاستفادة من هذه المبادرات!؟.
الملك يقود دبلوماسية نشطة وفعالة، ويفتح الكثير من الأبواب أمام الحكومات للاستفادة من هذه الدبلوماسية والبناء عليها لتعزيز الفوائد الاقتصادية، إلا أن المتابع للعديد من الصناديق الاستثمارية التي أُعلن عنها مع دول أخرى أو المبادرات المشتركة التي جاءت نتاج جهد سياسي يقوده الملك يكتشف أن استفادتنا الاقتصادية منها ليست بذات مستوى الجهد السياسي، وذلك نتيجة معوقات بيروقراطية وتعدد المرجعيات وتشتت الجهود وكأن مؤسساتنا تعمل في جزر متناثرة.
بالمحصلة، فإن تقرير حالة البلاد يتحدث عن واقع مرير في التعامل مع التوصيات التي تصدر من مختلف الجهات، ويظهر أن الجهات المسؤولة عن الاستثمار غير معنية بالمكاشفة ووضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بتحديد الجهات التي تتراخى في تنفيذ ما هو مطلوب منها لتعزيز جاذبية اقتصادنا، والكل يرمي بالمسؤولية على الكل، وإذا ما استمر الوضع على هذا المنوال فسنبقى كمن يحرث في البحر، فالمستثمر لن يهدر وقته وجهده في الوقت الذي توفر له دول أخرى خدمات ذكية تقلل من كُلفة استثماراته وتسهل عليه الإجراءات وتختصرها.
الدستور