ابتهالات الفريسة
كانت الحكايات منذ بواكير الوعي البشري، هي الوسيلة والناقل لحكمة البشر، لغايات فنية ابداعية أحيانا، ولغايات التورية والتضمين في أحيان أخرى خوفا من الطغاة والظالمين ومن لف لفّهم.
لعل أفضل كتاب أنجزته البشرية في هذا المجال، هو «كليلة ودمنة» الذي كتبه الفيلسوف بيدبا وترجمه وزاد عليه «ابن المقفع»، وهو مكتوب بأسلوب قصصي ممتع على لسان الحيوانات، وهذا الأسلوب لم تضعف جدواه ولا الحاجة له حتى الان، رغم تطور الدساتير والقوانين.... وخلافه.
وكما تنبت الشخصيات، مثل الفطر المفاجئ، في أصقاع الذهن، نبت هذا اللقاء بين رجل وذئب.
-لا مناص من الموت هنا.
قال الرجل في نفسه، لكنه لجأ الى آخر خطة دفاعية، وهي أن يصلي ويدعو الخالق ألا يأكله الذئب، لعل ساعته لم تأت بعد، ووفاته غير مقدرة بهذه الطريقة الشنيعة.
شرع الرجل في صلاته، وهو يبتهل:
- يا رب أنقذني من هذا المصير الأسود في هذا المكان المعزول
- يا رب ابعد هذا الوحش عني، وحنن قلبه عليّ، أو أجعله لا يراني
- يا رب أعدك ان نجوت اليوم ألا أقطع فرضا، وأن أصبح عبدك المطيع الشاكر.
- يا رب... يا رب.... يا رب
الذئب عندما رأى الرجل في هذا الوضع، ما كان منه إلا أن شرع يصلي ايضا.
فرح الرجل واعتقد ان دعواته قد استجيبت، وبعد إنهاء صلاته، جلس بجانب الذئب، وهو شبه مطمئن، ورغب أن يفتح حديثا:
- السلام عليك يا سيد الأماكن
- وعليك السلام
- رأيتك تصلي مثلي.
- نعم انا أصلي
- أتسمح لي ان اسألك سؤالا؟
- طبعا، اسأل ما تشاء
- أنا كنت أصلي، لأني كنت أدعو ألا تأكلني، لكن أنت لماذا كنت تصلي؟
- هذه بسيطة.
- نوّرني أيها الذئب العظيم.
- القضية لا تحتاج إلى تنوير، فأنا معتاد منذ نعومة مخالبي، معتاد ان أصلي قبل تناول الطعام.
الدستور