هل الكرة المصرية في طريقها للطائفية؟
خلال متابعتي لبعض حسابات المعارضة المصرية في الخارج، طالعت خبرا عجيبا عن إنشاء فريق لكرة القدم خاص بنادي عيون مصر (تحت التأسيس)، تابع للكنيسة يشارك في مباريات الدوري. وعلى موقع صحيفة «العربية»، وجدت الخبر نفسه، ونسبته الصحيفة للصفحة الخاصة بكنائس وسط القاهرة على الفيسبوك، وجاء في نصّه: «تحت رعاية وإشراف الحبر الجليل الأنبا رافائيل، يفتح النادي أبوابه للتقديم لكرة القدم، وإجراء اختبارات القبول للانضمام لصفوف الفريق الأول لكرة القدم، في النادي الذي سوف يخوض مباريات الدوري العام المصري لكرة القدم في الدرجة الرابعة».
أحببت أن أتأكد من الخبر، فتتبعته على الفيسبوك، لأجد أنه صحيح، كما استمعت إلى مداخلة من الأنبا رافائيل على قناة ctv القبطية، يؤكد هذا الأمر. الخبر أحدث ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، فقامت وزارة الرياضة المصرية بنفي إشهار أي أندية تابعة للكنيسة، أو أي مؤسسة دينية باعتبارها مخالفة للقانون، في الوقت الذي ابتهجت فيه الصفحات الرسمية القبطية بالخبر، وتحدث الأنبا رافائيل عن بداية الفكرة، من كونها نبعت من المسابقات الرياضية لأبناء الكنيسة، ثم تطورت إلى دورات تحظى برعاية الوزارة، ثم جاءت فكرة إنشاء فريق كرة قدم يشارك في الدوري العام المصري.
نفهم من هذه الدعاية القبطية وهذا النفي الرسمي للوزارة، أن هناك توطئة لخوض نادي عيون مصر مسابقات الدوري العام، إما أنه بالون اختبار جاء بتفاهمات مع الحكومة المصرية لجس النبض والتمهيد للرأي العام، أو خطوة اتخذتها الكنيسة القبطية بمعزل عن الحكومة لإحراجها، وعلى سبيل جس النبض أيضا. قطعا لا يمكن إلقاء اللوم على الكنيسة المصرية في تطلعاتها، لكن أناقش هنا مسألة جد خطيرة: ماذا لو سمحت الحكومة المصرية بإنشاء هذا النادي القبطي وإشراكه في السياق الكروي كفريق تابع لمؤسسة دينية؟ قبل أن نتطرق للإجابة عن هذا السؤال، أود القول إن الكنيسة ليست بحاجة فعلية إلى هذا المشروع، لأن الاختيار في عالم كرة القدم لا يتم إلا على أساس الكفاءات، فهي أندية مملوكة لأعيان، ولها مجالس إدارية، تقدم مصلحة النادي على أي شيء، وهذا ليس محل خلاف، وما من نادٍ في مصر، ولا في الدول العربية له توجه إسلامي يُخشى أن يفاضل بين اللاعبين على أساس الدين، وكثيرا ما سمعنا عن لاعبي كرة قدم من غير المسلمين في مصر، فليس في الأمر مشكلة كما يروج المتفاعلون مع هذا المشروع. ثمة أمر آخر، يتعلق بالفائدة المرجوة للنظام إن أقدم على هذه الخطوة، وهي ترضية الصوت القبطي ليقف معه في أية استحقاقات، ويكون في الوقت نفسه تجميلا لصورته أمام الغرب المسيحي، خاصة أن النظام في هذه الفترة يعاني أزمات طاحنة، فهو لم ينجح في التعامل مع الأزمة الاقتصادية التي ضربت بلاده، كما فشل في إدارة ملف سد النهضة، وهناك انقسام كبير في مؤسسات الدولة تدل عليه التسريبات التي يتداولها المعارضون من وقت لآخر، كما أن ملف المصالحة مع التيار الإسلامي لا يزال عالقا مترنحا، ويجعل منه ورقة يلوح بها في وجه الدول الخليجية التي باتت مستاءة من سياساته، إضافة إلى الرأي العام المصري الذي لم تعد اتجاهاته في صالح النظام. نعود إلى النقطة الأبرز في الموضوع، وهي الإجابة على السؤال سالف الذكر: ماذا لو سمحت الحكومة المصرية بإنشاء فريق كرة قدم تابع للكنيسة في السياق الكروي؟
أعتقد أنه سيكون ضربة لحقيقة المواطنة في الصميم، فالمواطنة تعني اندماج شرائح المجتمع المختلفة والمساواة بينها أمام القانون، وعدم التمييز على أساس الدين ونحو ذلك، فالعدول إلى المأسسة الطائفية يتعارض مع فكرة المواطنة. وفي حال تمرير مثل هذا المشروع، سيفتح الباب على مصراعيه للتنازع الطائفي، فماذا لو طالبت الأحزاب السياسية بأن تكون لها فرق رياضية، وقطعا هي أحزاب مختلفة لها أيديولوجيات مختلفة، ولها ظهير شعبي وحشود جماهيرية، سوف تشارك في تشجيع فرقها الكروية، ويمكن أن يحدث حينها ما لا يحمد عقباه.
السيناريو الأسوأ من ذلك، الأزهر – كمؤسسة دينية عريقة واسعة الانتشار هي الأعرق والأشهر في العالم الإسلامي – ماذا لو طالب بأن يكون له فريق لكرة القدم، يخضع لإشرافه، ويمثله، حتى لو أعلن الأزهر أنه لا يمنع التحاق الشباب المسيحي بهذا الفريق؟ في هذه الحال سيكون النظام أمام أمرين، إما أن يعارض الفكرة، وهو بهذا سيقع في حرج بالغ، ويتهم بممالأة الكنيسة، وإما أن يستجيب، وهذا سيترتب عليه وضع بالغ الخطورة، ولنا أن نتخيل مباراة كرة قدم بين فريق للأزهر وفريق تابع للكنيسة، هذا يحشد وهذا يحشد، لا شك في أن مدرجات الملاعب المصرية ستكون منصة طائفية بامتياز، يمكن أن تتطور الأمور لاقتتال طائفي، وهذا ليس ببعيد، فهو أمر قد شهدته الملاعب الرياضية بين المتعصبين للأندية، فكيف لو كانت الحشود طائفية؟ إن الإقدام على تمرير مثل هذه المطالب سيضر بالمجتمع المصري بشقيه مسلمين وأقباطا، وسوف يؤجج فتنة نائمة، ولن يستفيد منها أحد حتى النظام نفسه، نسأل الله لمصر والمصريين السلامة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
القدس العربي