الاتفاقية البحرية بين لبنان واسرائيل
وأخيرا ، تمت الصفقة بين اسرائيل ولبنان وعرف كل منهما حقوقه المائية بالمتوسط ، برعاية أمريكية خالصة .
المسرحية التي كان بطلها بلا منازع زعيم ميليشيا حزب الله حسن نصر الله لم تنطل حتى على السذج ، بعد أن وصفها البعض أنها " خيانة " مكتملة الأركان للبنان وحقوقه المائية في البحر المتوسط علاوة على أنها خيانة للقضية التي تبجح بها الحزب عقودا من الزمان ، وهذا الاتهام وثقه لبنانيون كما سنرى .
لم يكن مفاجئا أبدا ، أن نصر الله الذي يطل على جمهورة اسبوعيا مهددا ومتوعدا يعلن هذه المرة وبدون أدنى خجل ، أن حالة الاستنفار التي اتخذها بخصوص حقل " كاريش " انتهت .. أي أن السلام بين حزبه وبين الكيان بات مرحبا به الآن ، رغم محاولاته الفاشلة اضفاء الانتصار على هذا الاتفاق المريب .
فبعد التوقيع على الاتفاق أفاق اللبنانيون على مجموعة وطنية لبنانية من الحقوقيين والخبراء ومتابعي المفاوضات منذ بداياتها ومن خلال "جمعية الدفاع عن حقوق لبنان البرية والبحرية "حيث أعلنت هذه المجموعة النخبوية رفضها لهذا الترسيم جملة وتفصيلا ، بل إن الجمعية قامت بتسجل شكاوى لدى محكمة التمييز اللبنانية ضد الرؤساء الثلاثة : عون وبري وميقاتي ، بتهمة " الخيانة العظمى " لكون هؤلاء الثلاثة - كما يقول المشتكون - خدعوا اللبنانيين ووافقوا على التخلي عن سيادة لبنان وأراضيه ومياهه وحقوقه التاريخية وفق ما جاء في الشكوى .
وتقول الجمعية في شكواها : إن لبنان خسر قرابة 1430 كلم من حقوقه ، لأن الأتفاقية حددت الخط 23 بدلا عن الخط 29 الذي تعتبره الجمعية هو خط حدود لبنان الحقيقية المنطلق من رأس الناقورة ، مستندين في ذلك على تقرير أصدره الجيش اللبناني عن الحدود وتقارير مكاتب دولية ، وبذلك فإن لبنان خسر كل هذه المساحة بجرة قلم ، وبمباركة تكاد تشبه " العرس " فكان خروج نصر الله هو المفتاح لإقناع اللبنانيين بأن حقوقهم مصانة .
ورغم أن مقدمي الشكوى لا يعولون كثيرا على القضاء اللبناني لأسباب معروفة ، إلا أنهم فعلوا ذلك لإرضاء ضمائرهم ، وللتوضيح أمام الرأي العام بأن الطبقة السياسية الحاكمة وافقت على شطب حقوق لبنان نظير رضا العم سام عليها والإبقاء على نفوذها في تقاسم البلد ، في الوقت الذي يقول فيه مراقبون بأن إعادة اللاجئين السوريين عنوة إلى بلادهم كان تنازلا أمريكيا للرئيس اللبناني ميشيل عون من باب " الرشوة " السياسية ليس أكثر .
إذن : فإن لبنان حصل على الخط 23 مع حقل قانا ، بينما احتفظت اسرائيل بخط 29 مع حقل كاريش لتخرج هي الرابح الأكبر مائيا من خلال هذا الحقل ، وسياسيا من خلال اعتراف لبنان بإسرائيل كدولة ، وهو ما صرح به رئيس الحكومة الإسرائيلية متفاخرا قبيل أيام من الانتخابات التي ستجري الثلاثاء الأول من الشهر القادم ، وأمنيا من خلال اعلان نصر الله انتهاء حالة الأستنفار ، ويقصد حالة الحرب بالتأكيد ، عدا عن مناوشات بسيطة قد تحدث بين الفترة والأخرى ، ما يعيد إلى الأذهان ما قالته الجمعية الحقوقية اللبنانية عن أن كل التهديد والوعيد الذي كان يطلقه نصر الله خلال المفاوضات كان متفقا عليه وليس سوى " تمثيلية " كما وصفها أحد أبرز أعضاء الجمعية الذي سئل أيضا عما يمكن أن يحصل عليه الشعب اللبناني من الاتفاقية ، فاستذكر نهب ايداعات اللبنانيين لدى البنوك ، وقال بأن الذي جرى مع أرصدة اللنانيين سيجري بالتأكيد مع عوائد الغاز المرتقب .
ووفق المعطيات ، فإنه ما من تصريح يتعلق بإيران إلا وله صدى في لبنان ومحيط نفوذها الواسع في المنطقة ، ولا يجوز أن ننسى بأن حملة المسيرات الايرانية التي يقاتل بها الروس في اوكرانيا تزامنت مع المفاوضات اللبنانية ، وكلها ضغوط أفضت إلى موقف نصر الله الذي استجاب للايرانيين وأعلن بـ " عظمة لسانه " كما يقال ، انتهاء حالة الاستنفار مع اسرائيل " وليس صحيحا على الاطلاق أن موقف الحزب جاء لمداراة قواعده أو الوضع اللبناني الأقتصادي بأي شكل من ألأشكال كما ذهب البعض ، إذ لا يمكن لنصر الله اتخاذ موقف كهذا بدون موافقة الولي الفقيه في طهران ، ولربما تنكشف خطوط صفقة ما بين طهران وواشنطن عقب الانتخابات النصفية .
ختاما : هي اتفاقية تحدثت عن حقول وحقوق مائية بين لبنان وإسرائيل ، ولكن ، وكما سبق وسألنا ذات مقال : أليس المتوسط بحرا فلسطينيا ايضا !.
جي بي سي نيوز