المهارة في تشويه الآخر

تم نشره الخميس 29 كانون الأوّل / ديسمبر 2011 12:17 صباحاً
المهارة في تشويه الآخر
د. رحيّل غرايبة

- هناك ظاهرة تستحق التوقف طويلاً وعميقاً في مجتمعنا العربي والأردني على وجه الخصوص, وأهميّة التوقف عند هذه الظاهرة تنبع من كونها رائجة ومنتشرة في أوساط النخبة, وبين طبقة الكتّاب الذين يتصدون لمعالجة الشأن العربي والأردني بشكلٍ دائمٍ ومستمر, ويكاد يكون بشكلٍ يوميّ على صفحات الصحف والمواقع الإلكترونية, وهذه الظاهرة تتلخص "بالاستغراق في تشويه الآخر" رأياً وفكراً وتاريخاً وممارسةً وأشخاصاً ورموزاً.

هذه الظاهرة واضحة بشدة في معظم اللقاءات السياسية والفكرية على شاشات الفضائيات أو في الندوات والمحاضرات المنعقدة في القاعات والمدرجات لدى الجهات المختصة والمهتمة, مهما كان العنوان المطروح, غالباً ما يتمّ جرّ المتحدثين إلى الانخراط في الحديث عن الآخر, وغالباً ما يكون الحديث عن الآخر بعيداً عن الموضوعية العلمية, بل غالباً ما يتمّ الوقوع في مصيدة التشويه وقلب الحقائق وتزييف الوقائع.

لا أدري لماذا لا تكون المنافسة المحمومة بين الكتاب والمفكرين في ايجاد الفكرة الجديدة, أو الإسهام في تجلية الرأي الذي يعتمده الكاتب وقدرته على معالجة جوانب الحياة, لماذا لا يستغرق الكاتب والمفكر في بيان "مشروعه الفكري" والإسهام في توضيح تجليات مشروعه الكبير, وحشد الأدلة والبراهين على صحة هذا المشروع وقدرته على حل مشاكل المجتمع والأفراد والأوطان والأمم والجماعات, وفتح حوارات ونقاشات علمية حول المسائل المستجدة.

لكن ما هو ملحوظ أنّ هناك ميلا غريزيا لتشويه أفكار الآخرين, والهجوم على مشاريع الآخرين, والبحث المحموم عن نقاط الضعف في الخطاب الآخر, وإذا لم يجد نقاط ضعف, يستحدث من مخيلته ما يجعل مداد قلمه متصلاً في تسويد وجه الرأي الآخر وتبهيته, وطمس كل ايجابية, من خلال شحذ المهارة في هذا الاتجاه, حتى أصبحت عادة اجتماعية, تتوارثها الأجيال, وإذا أراد أحد الباحثين أن يعمل دراسة ميدانية استقصائية حول ما يطرح من أفكار ومشاريع جديدة من جهة, وما يتمّ من هجوم صارخ على أفكار الآخرين من جهة أخرى, ربما ستكون النسبة 1:.15

ولربما تكون النسبة أقل من ذلك بكثير, ولذلك نجد أنّ نسبة الإبداع في الطرح الفكري والعلمي لدى الأجيال العربية من شباب وشيّاب قليلة جداً, إذا ما قورنت بالكم الهائل من التفنن في نقد الآخر وتبهيته.

وربما تشعر بسطوع هذه الظاهرة بشكل أكبر في مرحلة الربيع العربي, إذ أنّ تشويه الآخر تعدّى مسألة النقد للطرح الفكري والمضمون الثقافي إلى الاتهام بالعمالة والتآمر, والتخوين, وعقد الصفقات الموهومة في كل حدث وفي كل ممارسة. ثمّ تعدت هذه الظاهرة في نقد تصرفات الآخر إلى تشويه مستقبل الآخر, بمعنى أنّه تمّ تطوير هذه المهارة في التشويه إلى مهارة التنبؤ بالمستقبل الفاشل, وتوقع الممارسات المستقبلية قبل أن تقع.

أعتقد أنّ الاستغراق في تشويه الآخر, والإمعان في القدح والذم للرأي المخالف, يعد من أبشع مخلفات المرحلة العربية السابقة التي ثارت عليها الشعوب, فقد كانت وظيفة الأنظمة العربية توظيف أموال الشعب المنهوبة في تلميع صورة الطاغية عن طريق تشويه صورة المخالفين, ويكون حظ المخالف من التشويه بقدر الخوف من نجاحه ومعقولية خطابه وإمكانية تأثيره بالجمهور.

وأعتقد أيضاً أنّ الكتّاب الذين تربوا على هذا النمط وتكيفت عقولهم وأفكارهم مع هذه الحقبة, أصبحوا أمثلة عملية لهذا النمط العملي السائد, فأصبحت ألسنتهم لا تجيد إلا هجاء الآخرين والحط من شأن المخالفين وتوهين الرأي الآخر, وشتم صاحبه.

وأعتقد أيضاً أنّ أصحاب البضاعة المزجاة, والآنية الفارغة الذين لا يملكون مشروعاً حقيقياً, وليسوا قادرين على إقناع الجمهور بما عندهم, يلجأون إلى أسلوب هجاء الآخر والحط من شأن المشاريع الناجحة, وتشويه صورة الفائزين والمؤثرين.

ومن أغرب غرائب هؤلاء أنّهم يطلقون على عملية الفوز بالانتخابات التونسية والمصرية, وهي الانتخابات العربية الحقيقية الأولى في تاريخ العرب الحديث, يطلقون عليها (سرقة الثورة).. قمّة الإبداع في الهجاء والتشويه.( العرب اليوم )

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات