الحقبة الثالثة

خلال اعدادي لاطروحة الدكتوراه حول هيكل, لاحظت ان هيكل نفسه الذي اهتم بالحقبة النفطية ودورها في تشكيل خرائط الصراع ودوله في المنطقة العربية, لم يهتم بحقبة اساسية هي الحقبة القطنية, املا ان يتوقف عند الحقبة الجديدة, وهي حقبة الغاز, ودورها فيما تشهده المنطقة من مقصات ومقاصات وخرائط وطوائف وكيانات جديدة واخرى مبعثرة...
1- كان بامكان العرب ومصر تحديدا ان تكون اليوم جزءا من القوى الكبيرة الفاعلة في العالم, لو توفرت في القاهرة ابان الحرب الاهلية الامريكية, قيادة وطنية مسؤولة.
ففي خلال تلك الحرب في العقد الثاني من النصف الثاني من القرن التاسع عشر خسرت الصناعات الرأسمالية العالمية خاصة في بريطانيا اهم مصدر لهذه الصناعات وهو القطن الامريكي مما جعل الانجليز يهتمون بالقطن المصري, وتوسيع الاستثمار فيه والذي ترافق ايضا مع الاهتمام بقناة السويس... وكانت مصر تشهد في تلك الايام تحولات طبقية ملحوظة.
وبدلا من ذلك بدد الخديوي اسماعيل المحاط بفريق من الليبراليين واليهود كل عائدات القطن في مشاريع (استهلاكية) وعقارية منها بناء وسط القاهرة على شاكلة مدينة باريس اضافة لفساده المفرط, وكتب احدهم انذاك تحت عنوان (ارم ذات العماد) ما كتبه صديق (معاصر) عن ارم العربية في المناطق النفطية.
وقد حاول المصريون انقاذ ما يمكن انقاذه لا سيما بعد ثورة احمد عرابي والضباط العرب في الجيش المصري, لكن الاستعمار البريطاني قمع الثورة بالحديد والنار.
وليس بلا معنى ان الهدف التالي لضرب الثورة المصرية تلك, كان ترويض سورية وتفجير فتنة طائفية في الداخل السوري, وجبل لبنان, فمنذ تجربة محمد علي وابراهيم باشا توحيد مصر وسورية وتحطيم الاستعمار وتركيا لهذه التجربة في العقد الثالث من القرن التاسع عشر وعين الاستعمار على هذين البلدين معا.
2- الحقبة الثانية, هي الحقبة النفطية التي اتسمت منذ بدايتها بالصراع بين شركات النفط الامريكية والبريطانية, وكذلك الفرنسية, وكما بدد المستعمرون واعوانهم عائدات الحقبة القطنية بالفساد والعقارات والثقافة الاستهلاكية تكرر الامر نفسه مع الحقبة النفطية التي ترافقت مع انشاء حاجز يفصل مصر عن الشرق العربي هو الكيان الصهيوني وتمزيق سورية الطبيعية الى دويلات هنا وهناك وكما لعبت قناة السويس دورا مهما جديدا في طرق النفط, كانت للجغرافيا السورية اهمية موازية فسرت الانقلابات المتتالية بين شركات النفط المتصارعة (انقلاب حسني الزعيم ثم الحناوي ثم الشيشكلي) قبل ان تستقر سورية في الوسط الوطني ابتداء من عهد القوتلي ودوره في احباط حلف بغداد ثم الاتحاد مع عبدالناصر .. ايضا وكما حدث مع مصر الحقبة القطنية والضباط الوطنيين بقيادة عرابي وقبلهم محاولات الاتحاد مع الشام... تمكن المستعمرون الجدد بقيادة الامريكان واعوانهم من فصل الاتحاد المصري, السوري وضرب الجيوش العربية في حزيران .1967
وكان لحرب تشرين 1973 تداعياتها النفطية المعروفة حتى اليوم.
3- الحقبة الثالثة, هي حقبة الغاز والصراع حولها بين الشركات العملاقة الجديدة مثل غاز بروم الروسية, وكافاك القطرية- الامريكية وغيرها, مما يفسر الصحوة الروسية والدور القطري والمهم هنا ما تؤكده المعلومات عن ان الساحل السوري التاريخي من عسقلان الى الشمال مرورا بالمياه الاقليمية لقبرص واليونان يحتوي على اكبر احتياطي من الغاز في العالم, مما يفسر اسباب العدوان الصهيوني على لبنان 2006 وعلى غزة 2009 وعلى سورية اليوم باقنعة وادوات مختلفة تذكر بانقلابات الزعيم والحناوي اواخر اربعينيات القرن الماضي ايام الحقبة النفطية... فاما ان تصمد سورية وتعيد التكامل مع مصر ويؤسس العرب لنهوض قومي بالاستناد الى الحقبة الجديدة وما ان ينجح المستعمرون كما نجحوا من قبل. (العرب اليوم )