ثلاث محطات ومحطة رابعة

- سأتوقف اليوم عند محطات ثلاث، سبقني إليها وأوحى بها، زملاء كرام في مقالاتهم المنشورة يوم أمس...لم أتمالك غير التعليق عليها والبناء على ما جاءوا وجادوا به:
المحطة الأولى، تناولها الأخ العزيز بسام حدادين، في الزميلة “الغد”، إذ تناول مهرجان الذكرى السابعة والأربعين لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، وهو مهرجان حاشد، تميّز بمشاركة رئيس الوزراء شخصياً في رعاية الحفل، وإلقائه كلمة وصفت بـ”الحارة” في معانيها المُجسدة للوحدة الأردنية – الفلسطينية، التي تواجه اليوم ريحاً عاتية، تهب عليها من الداخل والخارج...الكاتب حدادين، أشار إلى أنها المرة الأولى التي يتولى فيها رئيس وزراء عامل، رعاية هذه المناسبة العزيزة على قلوب الفلسطينيين والعرب، كما أشار إلى المغزى الكامن وراء هذه الرعاية التي تأتي في ذروة الحديث عن استعادة العلاقة بين الأردن وحماس، و”حماسة” الرئيس لتصويب الخلل السياسي والدستوري الذي شابها من قبل...رعاية الرئيس كما قال بسام محقاً، تجسد وقوف الحكومة على مسافة واحدة بين مختلف الأفرقاء الفلسطينيين...المناسبة والحفل والرعاية والحشد الجماهيري من أبناء المخيمات بخاصة، تشير إلى “تراجع” بعض الحساسيات التي طالما أحاطت بمثل هذه الأنشطة والفاعليات، خصوصا في مناخات التشاحن والاستقطاب والنزعات المتطرفة الموّلدة لنزاعات لا طائل من ورائها ولا تخدم مصالح أحد....شكراً لمنظمي الحدث/المناسبة والرعاية “الرئاسية”، وشكراً لبسام للمسته الذكيّة والمُخلصة.
المحطة الثانية، تذهب في اتجاه آخر، عبّر عنها جاري في هذه الزاوية الزميل ياسر الزعاترة الذي كتب تحت عنوان “من زنازين الداخلية إلى مقعد وزيرها” معلقاً على تولي الناشط من حركة النهضة علي العريض منصب وزير الداخلية في أول حكومة تونسية تتشكل بعد اسقاط نظام بن علي...العريض سبق وأن قضى عشر سنوات في زنازين الداخلية...ومثله – وإن بتفاوت – قضى ستة وزراء آخرون في الحكومة الجديدة سنوات ثمينة من أعمارهم في أقبية السجون....تولية العريض مهام الداخلية، تثير نقاشاً صحياً في تونس، المعارضون لهذا القرار يعبرون عن الخشية من أن يكون سلوك الرجل “ثأرياً/انتقامياً”، وهو الذي سيتعامل مع ضباط تحت إمرته، سبق لهم وأن كانوا سجّانيه ذات يوم...لا أدري مدى وجاهة مثل هذا الأمر، فكثيرون منا تعاملوا مع ضباط سبق وأن سجنوهم أو حققوا معهم، وأحياناً بكثير من القسوة، وأحسب أن الضغينة والرغبة في الثأر، لم يعد لهما “مطرح” في علاقات هؤلاء مع سجّانيهم السابقين...أقول ذلك من موقع الشاهد والطرف في هذا النوع من العلاقات.
ليس هذا ما وددت أن أشير إليه أو أن أتناوله من وحي مقالة الزعاترة...لقد قفز إلى ذهني وزراء داخلية في دول أخرى، من بينها الأردن، جاءوا إلى مقعد الوزارة من أقبية السجون وزنازينها...لم يأتوا بالطبع، بالطريقة التي جاء بها الوزير علي العريض (على ظهر صناديق الاقتراع)، جاءوا بعد أن مرّوا بسلسلة من التحوّلات في مواقفهم، نقلتهم من موقع المعارضة إلى موقع الولاء للسلطة ذاته، وللأسف فقد تصرف بعضهم بطريقة انتقامية ثأرية، لا مع سجانيه هذه المرة، بل مع رفاقه السابقين، ومع الحركة/الحركات المعارضة التي انتمى إليها...أداء هؤلاء في وزاراتهم، يجعلك تترحم على أيام أكثر وزراء الداخلية، عُرفيةً؟!.
المحطة الثالثة، نبشها في ذاكرتي الزميل العزيز نواف الزرو، في الزميلة العزيزة “العرب اليوم” إذ انطلق من وثيقة الـ”21” مبدأ التي قدمها إسحق مولكو لصائب عريقات في اجتماعات عمان الأخيرة، ليذكرنا بالتحفظات الـ”24” التي كبّل بها أريئيل شارون موافقته على خريطة الطريق، بحيث لم يبق منها حجراً فوق حجر، وجعل منها وثيقة أخرى، أقرب ما تكون إلى “نسخة غير مزيدة وغير منقحة” من برنامج الليكود (ولاحقاً كاديما) في تلك الأزمنة....الزرو يذكرنا بأن إسرائيل لم تغير قواعد لعبة المماطلة وشراء الوقت، فيما الأنياب الحادة لجرافات الاحتلال والاستيطان والحصار، ما زالت تنهش في القدس والمقدسات والأراضي والحقوق الفلسطينية، تقطع أوصال الضفة وتغير معالم القدس وتضع القطاع المحاصر في صدارة قائمة المناطق المنكوبة في العالم.
غداً الاثنين، سيأتي مولكو بتصورات إسرائيلية حول قضية الحدود، لن تخرج عن هذه المبادئ وتلك التحفظات...وغداً الاثنين سيأتي صائب عريقات بردٍ على “وثيقة المبادئ” الإسرائيلية، وإذا قدر للوسيط الأردني أن ينجح في مسعاه، فسيحتاج إلى سنوات – وربما عقود – من الزمن لإنجاز مهمته، أحسب أنها ستكون كافية لابتلاع ما تبقى من الأرض والحقوق...أما آن الأوان لوقف عبث المفاوضات العبثية أصلاً؟!.
قبل أن أغادر هذه المحطات الثلاث، وددت المرور سريعاً بمحطة رابعة، تتصل هذه المرة بتصريحات صدرت من رام الله باسم منظمة التحرير الفلسطينية، ولا أدري إن كانت تعبر فعلاً عن المنظمة أم عن رأي صاحبها ومُطلقها فقط، استهجَنَت قيام الأخ خالد مشعل بما قيل أنه وساطة بين سوريا وشعبها، البعض قال أنها وساطة بين الجامعة وسوريا، والبعض قال أنها مهمة ألقى بها نبيل العربي على كاهل خالد مشعل....الغريب في أمر هذا الاستهجان، أنه تجاهل حقيقة موقف الجامعة العربية المرحب بمسعى مشعل من جهة، وتجاهل أيضاً حقيقة أن حماس اتخذت موقفاً متوازناً من الأزمة السورية، يحسب لها لا عليها، وأن هذا الموقف يلقى تفهماً، ولا أقول قبولاً بالضرورة، من قبل معظم أطياف المعارضة السورية في الداخل والخارج...والأغرب من هذا وذاك، أن هذا الاستهجان يصدر عن جهات فلسطينية “متورطة” في لعبة “تجسير الفجوات الفلسطينية الإسرائيلية” إن جاز لنا أن نُسميها كذلك، حتى وإن كان ثمنها كسر الإجماع الفلسطيني الرافض للتطبيع والذاهب باتجاه “المصالحة” و”تفعيل المنظمة” و”المقاومة الشعبية”، تارة تحت ستار التحالف من أجل السلام، وأخرى تحت يافطات شبابية مضللة وكاذبة، ظاهرها فيه الرحمة وباطنها فيه العذاب....وهي محاولات قابلها الشارع الفلسطيني على أية حال، بما يليق بها.(الدستور)