التباكي على الفنّ في عصر الربيع العربي !

- جملةٌ من التخويفات يطلقها خصوم الإسلاميين, وكل من لا يرغب بصعود نجم الإسلاميين السياسي, بعضها يتعلق بالحريّات الشخصية وبعضها يتعلق بالديمقراطية والدولة المدنية, ومنها ما يتعلق بالأقليّات ومنها ما يتعلق بالمرأة, وآخر هذه الصيحات تلك الحملة المتعلقة بالفنّ والفنّانين; ولذلك هناك من يمارس الإبداع بالبحث عن نقاط تخوّف الجمهور, ويمارس هواية "اللطم" والصراخ وشق الجيوب وخدش الخدود; من أجل الإثارة التي تصرف أذهان الشباب عن مواصلة الزحف صوب التحرر من أنظمة الظلم والاستبداد والقمع.
المشكلة في هؤلاء أنّهم لا يدركون تماماً سرّ نجاح "الإسلاميين" الحقيقي, فبعضهم يعزو ذلك إلى الخطاب الديني الذي يستخدمه الإسلاميون في دغدغة عواطف الجمهور, ولكنّهم لا يدركون أنّ الجمهور من الوعي والذكاء الجمعي الذي يجعله يميّز بقوة بين حملة الخطاب الديني, فليس صحيحاً أنّ كل من استخدم هذا الخطاب يحوز على رضا الجمهور.
ومنهم من يعزو ذلك إلى أنّ الإسلاميين استطاعوا تنظيم أنفسهم منذ فترة طويلة وسنحت لهم الفرصة للعمل في حين تمّ التضييق على غيرهم, ولكنّ أصحاب هذا الطرح يتفاجأون بأنّ الإسلاميين حققوا فوزاً كاسحاً في الدول التي مارست عليهم التضييق والمنع والسجن والمطاردة وقد وصلت أحياناً إلى إصدار أحكام الإعدام أكثر من الدول التي سمحت بفرصة ما.
على كلّ حال لا أريد أن أسترسل بالمسوغات التي يراد البحث عنها والتعلق بها وأذهب إلى السبب الرئيسي والجوهري في فوز الإسلاميين الكاسح في كل البلاد العربية والإسلامية التي تحظى بانتخابات نزيهة وحقيقية, ويتمثل بما يلي: أنّ الإسلاميين يعبّرون عن طموح الأمّة وأملها المتعلق بإعادة بناء "المشروع الحضاري العربي الإسلامي الكبير" المتميّز بمرجعيته الفكرية والثقافية, ومنظومته القيمية, وفلسفته الجوهرية العميقة, القادرة على انتشال الأمّة من وهدتها وضعفها, ليعيدها إلى السياق الحضاري العالمي بين الأمم الذي يستطيع أن يقدم ما هو جديد في كلّ ميادين العلم وعلى جميع أصعدة التحضر والإنجاز, وهذا المشروع ملك الأمّة كلّها بكلّ مكوناتها وبكل شعوبها وأعراقها, وبكل مذاهبها المختلفة والمتعددة التي تزيد مشروعها ثراءً وقوّة, ولا يمثل مشروع فئة أو طائفة أو مجموعة.
ومن أجل ذلك فالفنّ له موقع أصيل ومتميّز في المشروع الحضاري الإسلامي الكبير, ذلك الفنّ الذي يرقى بالذوق ويوجّه العقل ويصقل العاطفة ويهذب النفس, ويشيع الراحة والسعادة ويعلي من قيم الجمال الحقيقية الرائعة, فلا خوف من الفنّ وإنّما الخوف على أعداء الفنّ; لأنّ الفنّ الحقيقي يترعرع في ظلّ الحريّة الحقيقيّة, والفنّ في خدمة الحريّة وفي خدمة الثورة, ولذلك فإنّي على يقين أنّ الفنّ سيشهد نهضة عارمة لم يشهدها في عصر الظلام والاستبداد والكبت ومصادرة الحريّات, وسوف يتحرر من أمراض النفاق والتزلف والارتزاق ومسح أحذية الطغاة, وتجميل أفعال المجرمين.(العرب اليوم )