هل اختفى القطاع العام؟

- هناك مجموعة لا يستهان بها من النشطاء المسيسين يعتقدون أن القطاع العام الأردني تمت تصفيته، وأن ممتلكات الشعب الأردني بيعت بتراب المصاري، وهم يدعون لتكبير القطاع العام، بل إن بعضهم لفظ كلمة (تأميم) التي أقل ما يقال فيها أنها لا تطمئن المستثمرين، سواء كانوا أردنيين أو عرباً أو أجانب.
لهؤلاء نقول إن موازنة الدولة تشكل ثلث الناتج المحلي الإجمالي، وتشكل موازنات الوحدات الحكومية المستقلة سدسه، فإذا أضفنا موازنات الجامعات الرسمية والبلديات والبنك المركزي فإننا نصل إلى نتيجة مذهلة هي أن القطاع العام الأردني يتصرف بأكثر من 55% من الناتج المحلي الإجمالي، ويستخدم أكثر من نصف العمالة الأردنية، ولا ينتج فيما عدا الرواتب سوى 14% من الناتج المحلي الإجمالي، انخفضت إلى 7% بعد التخاصية.
القطاع العام ضروري، وله دور أساسي لا ينكره أحد، وهو موجود بقوة زائدة وبنسبة عالية لا تدانيها سوى نسبة القطاع العام في الدول الاشتراكية والبترولية، وليس سراً أن كفاءة القطاع العام متدنية وخاصة عندما يطلب من سياسيين أو بيروقراطيين أن يديروا شركات صناعية أو تجارية.
الفرق بين كفاءة وإنجازات القطاعين يمكن معرفته من المقارنة بين مستشفيات الحكومة والمستشفيات الخاصة، وبين مدارس الحكومة والمدارس الخاصة، بين خسائر وعجز وإسراف وترهّل الجامعات الرسمية وأرباح ونجاح ورشاقة الجامعات الخاصة.
في بلدنا ردة سوداء ضد تاريخ البلد وإنجازاته وواقعه. فأصحاب الأصوات العالية يطالبون بمراجعة كل ما تم ونسفه باعتباره فساداً تم على أيدي فاسدين.
نعم الفساد موجود في جميع بلدان العالم بأشكاله الكبيرة والصغيرة، وعلى درجات متفاوتة، وهو يستحق أن يحارب بدون هوادة، ليس كظاهرة فقط بل كأشخاص أيضاً، لأن الفساد بحاجة لفاسدين. لكن هذا شيء وإدانة الجميع بشكل كاسح شيء آخر.
مر وقت كانت الحكومات الجديدة تقول أنها ستبني على إنجازات الحكومات السابقة بشكل تراكمي، وأصبحت الحكومات الجديدة تقول، تحت ضغط أصحاب الأصوات العالية، أنها ستلغي وتعيد النظر في كل ما قررته الحكومات السابقة، وتحل محله قرارات جديدة صحيحة، مع أن حكومة قادمة ستلغي ما توصلت إليه من قرارات (صحيحة) وتبدأ مرة أخرى من نقطة الصفر. (الدستور)