حب أنكى من كراهية

تم نشره الأحد 05 شباط / فبراير 2012 12:41 صباحاً
حب أنكى من كراهية
خيري منصور

- عاش العرب منذ أكثر من نصف قرن حياة تعج بالازدواجيات سياسيا وتربويا واجتماعيا كانوا ينشدون للعروبة ويفتكون بالعربي ويسبحون بحمد فلسطين وينكلون بالفلسطيني ويمجدون الاسلام ويطاردون المسلم، ويبشرون بالحداثة وينبذون الحديث، ونادرا ما سمعوا من يكرر عليهم قول شاعرهم القديم: لا تنه عن خلق وتأت مثله.. وان مثل هذه الازدواجية عار عظيم، لذلك تواطأوا على هذا التجريد، وكأن الاوطان تسكن في القصائد، وتدمير الاخ شرط لبناء الذات كأن حكاية ظلم ذوي القربى الاشد مضاضة تمددت صلاحيتها منذ الجاهلية حتى الانترنت.

تصوروا مثلا ان هناك ابنا امه مريضة وتوشك على الاحتضار لكنه يجلس امامها ويغني لها ست الحبايب، او يعدد فضائلها عليه منذ كان رضيعا.. الام تقترب من الموت وتحتاج الى اغاثة عاجلة وهو يذرف الدمع ويغني.. وتصوروا ايضا ان هناك ابا ابنه تجاوزت حرارته الاربعين واصبحت سحاياه في خطر وهو يجلس بالقرب منه وينشد له ابناؤنا اكبادنا ويحدثه عن المال البنون زينة الدنيا.

هذا هو حال العرب لاكثر من نصف قرن وهم ينشدون ويهتفون لاوطانهم، عاطلين عن كل شيء الا عن الكلام والتنافس في النفاق والبلاغة، بينما توغل اوطانهم في الاخطار كلها.. بدءا من انيميا السياسة والاقتصاد حتى الشلل النصفي.

ما الذي اخذته الأم المحتضرة من الابن الراكع تحت قديمها لكنه لا يقدم لها حتى حبة اسبرين او جرعة ماء.. وما الذي اخذه الابن من ابيه الذي ينشد امامه عن الاكباد التي تمشي على الارض..

ما اخذه الاثنان هو الموت حبا، لكنه حب انكى واقسى من الكراهية، وحين كتب الشاعر الباقي محمود درويش مقالة بعنوان "انقذونا من هذا الحب القاسي" كان يعني ما هو ابعد من الشعر، وان كانت مناسبة المقال هي الشعر وتسامح النقد العربي المنافق مع رداءته لمجرد انه كتب من فلسطين، رغم ان الفن الرديء يسيء الى القضايا الكبرى التي ينحاز اليها بقدر ما يسيء اليها الاعداء.

لم يغن احد في العالم المعاصر للوطن كما فعل الاعراب، لكن هذا الغناء بقي موسميا وممنوعا من أي صرف، لان الاوطان المريضة تركت تنزف وتقترب من الهلاك كتلك الأم التي ماتت من فرط الحب القاسي، والابن الذي قضى لأن اباه احبه كما تحب الذئاب لحم الخراف وهو لا يدري.

والان في ذروه هذا النزيف وتفاقم هذه المديونيات والتهديد بالحرمان من الحد الادنى للاستقلال والسيادة، ننصرف عن الدواء والتشخيص والاغاثة والتبرع بالدم الى المعزوفات ذاتها.

ان للحب اساليب اخرى للتعبير غير هذه الثرثرة الجوفاء، ولو احبننا اوطاننا بقدر ما انشدنا لها لما كانت الآن مسجاة في غرف الانعاش بانتظار الغرباء كي يقدموا لها الجلوكوز او لإجراء جراحات عاجلة لإنقاذها. ولكي يتبدد العجب من كل هذا تصوروا ان هناك اغنية طالما رددناها في صبانا تقول كلماتها او بعض منها:

ما باكل ولا بشرب

بس بطلع في عيونك..

انها شأن كل المبالغات الكاذبة التي تعوض ما هو مفقود، تماما كما قال احد شعرائنا ذات يوم: لولا ملوحة ماء البكاء لحسب دموعه انهارها، او كما قال آخر: ومن الحب ما قتل.

فهل سنحب اوطاننا بعد كل ما جرى لها كما يليق بها أم أن الطبع غلب التطبع؟!(الدستور)
 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات