ودم الحسين مراق

- حسناً، من البدهي أنّ هذا التداعي الدبلوماسي الدولي والعربي في مجلس الأمن وخارجه ضد نظام الأسد ليس مجرّداً من المصالح وتصفية الحسابات مع النظام السوري لتخندقه مع إيران وحزب الله، فهنالك من يريدون إنهاء هذا النظام لأجنداتهم الدولية والإقليمية.
في المقابل، موقف كلّ من روسيا والصين ليس مرتبطاً بمشاعر عظيمة وصادقة تجاه "الرفاق البعثيين"، والقصة كلها مرتبطة بمساومات اقتصادية واستراتيجية بين روسيا والغرب، كما حدث تماماً في الحالة الليبية. ومن يتحدثون عن "روسيا الشيوعية" لا بد أنّهم مستغرقون في "أحلام أيديولوجية" لم تنته بنهاية تلك الحقبة!
حتى إيران لها مصالحها القومية، وما "الورقة الطائفية" إلاّ أداة لخدمة ذلك؛ فآيات الله أنفسهم الذين يتحدثون عن دعم النظام السوري إلى آخر قطرة دم مواطن هم أنفسهم الذين باركوا الاحتلال الأميركي للعراق قبل سنوات، وحاربوا في "الخندق المقابل" للمقاومة العراقية!
لا توجد دول ولا حركات تتحرّك إلاّ وفق منطق المصالح. والغرب تحديداً يتحرك بمنطق براغماتي بحت، حتى تجاه الأنظمة الحليفة له، مثل نظامي مبارك وزين العابدين سابقاً اللذين تخلوا عنهما لما أصبحا عبئاً ثقيلاً، وأعادوا تدوير مصالحهم في هذين البلدين.
لكنّها المرّة الأولى تقريباً في تاريخ المنطقة، تكون فيها الشعوب هي من يحدّد موازين القوى على أرض الواقع، وهي من يقود التغيير، أي الداخل وليس الخارج، وهو تحديداً ما حدث في مصر (وما يزال) وتونس، واليمن؛ أما العامل الخارجي فأصبح اليوم ثانوياً، سواء كان "مع" أم "ضد"!
أسئلة المؤامرة الخارجية منطقية، لكنها مغشوشة؛ ليست ضمن ورقة الامتحان اليوم. فما دامت المعادلة داخلية، دعونا نطرح الأسئلة الصحيحة: هل يمكن العودة إلى المربع الأول وحل المشكلة سياسياً من خلال إصلاح وطني يتبناه النظام نفسه؟ الجواب: لا. فالرئيس اختار الحل الأمني مبكّراً، ويوماً بعد يوم يتمادى فيه، مراهناً على التوازنات الإقليمية والدولية، ويعتقد أنّ هذا الحل كفيل بإنهاء الثورة.
لكن من الواضح أنّ النتيجة عكسية تماماً؛ فالثورة تأخذ طابعاً عسكرياً، دفاعاً عن النفس. والانشقاقات تزداد، وميزان القوى يأخذ بالتحول نحو قدر أكبر من التوازن! أمّا التدويل، فقد أصبح أمراً واقعاً، بخاصة إذا تحققت التوقعات واعترف مجلس التعاون الخليجي بالمجلس الوطني وبالجيش الحر في اجتماعه السبت المقبل.
الحسم الأمني مستحيل، والنظام أصبح جزءاً من المشكلة لا الحل، والدماء التي سفكت (وما تزال) تنهي أي أمل بمبادرة داخلية من الصيغة الحالية للنظام القائم. في المقابل، فإنّ السيناريوهات التي تلوح في الأفق مقلقة جداً، تذهب نحو الفوضى والحروب الأهلية، ما يعني كلفة أمنية ودموية وإنسانية أكبر، وفي النهاية لا يمكن أن ينجو النظام بعد ذلك!
نحن أمام استعصاء الحل الأمني، وكارثة اقتصادية محققة ستضرب البلاد بقسوة أكبر، وقودها الناس والأطفال ومزيد من البطالة والفقر والحرمان، ونظام فقد شرعيته تماماً مع هذا المشهد الدموي.
وفقاً لهذه الحقائق، الحل داخلي. هذا صحيح؛ لكن بعد إعلان الرئيس التنحي، وتسليم الصلاحيات لنائبه، وفقاً للمبادرة العربية، والقيام بمصالحات داخلية، وصولاً إلى انتقال سلمي توافقي للسلطة.
من يحب فعلاً الشام وسورية، من أصدقاء النظام أو خصومه، عليه أن يفكر بالحلول الحقيقية ووقف هذا النزيف الإنساني والسياسي والاجتماعي اليوم.
النقاش المفيد ليس حول الأجندة الدولية، فهي مسألة مفروغ منها، بل في إنقاذ الشعب السوري ومستقبل البلاد، لأنّ من يخسر رأس المال لا يبحث عن الربح، ولا يعقل أن "تتناقشوا في دم البعوضة، ودم الحسين مراق"!
(الغد)