عام على الثورة السورية...أين من هنا؟

تم نشره الجمعة 16 آذار / مارس 2012 12:42 صباحاً
عام على الثورة السورية...أين من هنا؟
عريب الرنتاوي

المدينة نيوز - دخلت الثورة السورية عامها الثاني...وهي مناسبة لوقفة مراجعة ومصارحة...أين كنّا قبل عام، وأين صرنا اليوم؟...سؤال يتعين على كل سوري، في النظام والمعارضة بشكل خاص، أن يطرحه على نفسه، وأن يتوقف ملياً أمام حساب الربح والخسائر، لا لتقييم المسار فحسب، بل ولتقويمه أيضاً.

أكثر من ثمانية آلاف شهيد، وعشرات ألوف المشردين والنازحين، داخل وطنهم وفي المنافي القريبة والبعيدة، قوافل من الجرحى والمصابين، عائلات أبيدت عن بكرة أبيها، أطفال تيتموا في أعمار الزهور..ثكالى وأرامل بالمئات...شرخ مذهبي وطائفي، لا أعرف أن كان يُرتجى شفاءٌ منه، أم أنه سيتعين على السوريين العيش معه طويلاً....دولة تقف على حافة الفوضى والانقسام...اقتصاد يعاني سكرات الموت والانهيار...وضائقة إنسانية لم تبق بيتاً من دون أن تعبث به، وتعيث بين جنابته، جوعاً وفقراً وبؤساً.

هل يستحق البقاء في السلطة، كل هذه التضحيات؟...وكيف يمكن لحاكم أن يواصل حكمه وتحكمه بشعبه، وهو يقف على رأس هرم كبير، من الجثث والأشلاء...هل تستحق سوريا مثل هذه المصائر الصعبة، التي جرى تصنيعها تحت فيض من الشعارات الخادعة والكاذبة والمنافقة، بدءاً بالوحدة والحرية والاشتراكية، وصولاً للمقاومة والممانعة، والأنكى “اقتصاد السوق الاجتماعي”؟!.

نعم، ما زال النظام متماسكاً بعد عام كامل على الانتفاضة/ الثورة...لم تُسجّل أية انشقاقات جديدة في صفوفه...المنشقون القدامى (خدام ورفعت) شركاء في الجرائم حتى آخر يوم لهم في السلطة، وهم أسوأ من النظام القائم، ولو كانوا في موقعه، لقارفوا جرائم أبشع من جرائمه، ولقد فعلوا ذلك من قبل، وهم جاهزون لفعله من بعد...أما المنشق “المدني” الأرفع مستوى طوال عام بتمامه وكماله، فهو معاونٌ لوزير النفط، ولا أدري إن كان انشقاقه، دلالة على تفكك النظام أم شاهد على تماسكه وصموده في وجه عاتيات الانتفاضة والحصار الدولي والقطيعة العربية؟.

أما المنشقون العسكريون، فحالهم ليس أفضل من حال المنشقين “المدنيين”، أقل من عشرة آلاف جندي وضابط صغير، غالبيتهم من المجندين في إطار الخدمة الإلزامية، من أصل أزيد من نصف مليون جندي ورجل أمن... ومن أصل ما يقال عن ألفي ضابط من رتبة “لواء” لم تسجل حالة انشقاق واحدة حتى الآن، أما في أوساط العقداء والعمداء، الذي يقال إن عددهم يناهز عشرة آلاف، فلم يتجاوز عدد المنشقين، العشرة منهم، في أحسن الأحوال، والمؤسف أنهم متصارعون فيما بينهم على “القيادة والتحكم والسيطرة”؟!

ويزداد المشهد كآبة، حين نرى أن النظام ما زال يحظى بدعم واضح، من قبل “الأقليات” في المجتمع السوري، وقطاع لا بأس به من البرجوازية الوطنية في المدن الكبرى (دمشق وحلب)، وهو ما يمكّنه من ادعاء تمثيل الشعب السوري، ويظهره بمظهر الحامي والضامن لهذه الأقليات، ولقد نجح في اللعب على هذه الورقة، التي كان لها أثر مهم في إملاء حالة من التردد على المجتمع الدولي حيال المسألة السورية.

في المقابل، تبدو المعارضة السورية في وضع لا تحسد عليه، حتى الآن وفي المدى المنظور على ما يبدو...فهي أخفقت بإنجاز وحدتها وتماسكها، ومتوالية الانشقاقات والاتهامات (من العيار الثقيل) ما زالت تفعل فعلها... فيما ذراعها العسكرية (الجيش السوري الحر) تسجل تراجعاً ميدانياً لافتاً، خصوصا في الأشهر الأخيرة، حيث فقد معاقله في درعا والرستن وجسر الشغور وحمص، والآن إدلب وجوارها....وتتميز صورته في عواصم القرار الدولي، بأنه يفتقر للقيادة والتحكم والسيطرة، وأنه يتألف من مجاميع لا رابط لها أو فيما بينها...وأنه يكاد يقترب من صورة “الميليشيا” منه إلى صورة “الجيش الحر”، خصوصاً بعد تواتر الأنباء عن اندماج كثير من “كتائبه” ببنية الحركات الأصولية المتشددة، التي تمتشق السلاح في وجه النظام.

مستفيداً من وضعه “المتماسك” و”الميداني” على الأرض، نجح النظام في “مدّ حبل الكذب والمماطلة” طويلاً...كذب على الأتراك و”لحس” جميع وعوده الإصلاحية التي قطعها على نفسه أمامهم وبحضرة موفديهم رفيعي المستوى، وكذب على الروس، كما أوضح أمس الأول فقط، سيرغي لافروف، الذي تحدث عن تأخير كبير في الإصلاحات، وها هو يواصل اليوم نشر أكاذيبه على الموفد الأممي/ العربي، كوفي عنان.

بعد عام على الانتفاضة/الثورة، ما زال المجتمع الدولي على انقسامه وتردده...روسيا والصين، وإن اختلفت “نبرة” مواقفهما، ما زالتا تدعمان نظام الأسد...أما الغرب بزعامة الولايات المتحدة، فما زال حائراً بين التدخل وعدم التدخل، دعم عسكرة الثورة أم الحفاظ على سلميتها...فيما سلاح الحصار والعقوبات والعزل، هو السلاح الفعّال الوحيد الذي ما زال بمقدوره أن يشهره في وجهه.

في المقابل، تبدو الجامعة العربية، والنظام العربي بعامة، على انقساماتهما حيال الأزمة السورية....السعودية وقطر، ذهبتا إلى “نهاية الشوط” في الدعوة للتدخل العسكري وتسليح المعارضة...فيما دول أخرى (الجزائر والعراق ونصف لبنان) تواصل موقفها المؤيد للنظام، وتراوح مواقف بقية الدول، ما بين هذين الحدين.

على أية حال، وفيما الثورة السورية تدخل عامها الثاني، فإنها تبدو اليوم بعيدة كل البعد عن تحقيق أهدافها، أو بالأحرى أهداف الشعب السوري في الحرية والكرامة والديمقراطية...بل وتخيّم عليها سيناريوهات شديدة القتامة...من مخاطر الانزلاق نحو الفوضى والحرب الأهلية والتقسيم، إلى احتمالات مواجهة موجة مديدة ومريرة من أعمال العنف، إرهابية الطابع، مرروراً بالطبع، بإفلات النظام من “العقاب” وبقائه جاثماً على صدور السوريين.

وما لم تخرج المعارضة السورية من شرنقة الانقسامات والتشظي، وتتخطى الرهانات البائسة على “المنقذ الخارجي” الذي سيهبط بأساطيله وطائراته على “قصر الشعب”، ليستأصل نظام الأسد الديكتاتوري، وتعيد بناء حساباتها واستراتيجيتها للمرحلة المقبلة، بالاستناد إلى رهان واحد أوحد، على الشعب وطاقته الخلاقة وقدراته اللامتناهية على التضحية، التي برهن عليها قولاً وفعلاً...أقول، ما لم تفعل المعارضة ذلك، فإن مصائر سوريا وتضحيات شعبها، ستضيع هدراً، ولن يرحم التاريخ نظاماً يقتل شعبه، أو معارضة تتركه لمصيره، لتتلهى بالبحث عن المغانم والمواقع والصلاحيات، فتعيد بفعلها الشنيع هذا، إنتاج سيرة نظام فاسد ومستبد.
 
(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات