تفجيرات دمشق وحرب الاتهامات المتبادلة

تم نشره الأحد 18 آذار / مارس 2012 01:32 صباحاً
تفجيرات دمشق وحرب الاتهامات المتبادلة
عريب الرنتاوي

المدينة نيوز - عشرات القتلى (27) والجرحى (97)، هم حصيلة الهجومين التفجيريين في قلب دمشق أمس...هما ليسا أول الهجمات، والأرجح أنهما لن يكونا آخرها...فدمشق شهدت في السادس من كانون الثاني/يناير اأدى الى سقوط 62 قتيلاً على الأقل و64 جريحا معظمهم من المدنيين...وفي كانون أول/ديسمبر الفائت، استهدف هجومان بسيارتين مفخختين مقرين أمنيين في دمشق أزهقا أرواح ما يقرب من الثلاثين مواطناً، وأضعاف هذا الرقم من الجرحى...وكالعادة في مثل هذه المناسبات، خرجت المعارضة لتتهم النظام بضرب مقراته الأمنية لإخفاء جثث معارضين يحتجزهم، أو لإرسال رسالة للغرب، بأن القاعدة باتت لاعباً رئيساً في الأزمة السورية، فيما ركّز إعلام النظام ودعايته، على العصابات والإرهابيين و”مجلس اسطنبول” و”الإخوان المسلمين” في محاولة لـ”شيطنة” المعارضة، وانسجاماً مع مقاربة تستهدف اختزالها بالإرهاب والعصابات والمجرمين.

والحقيقة أننا لا نجد في أي من القراءتين، الرسمية والمعارضة، ما يروي ظمأنا لمعرفة حقيقة ما يجري على الأرض السورية...فلا الرواية التي تزعم بأن النظام يضرب نفسه بقسوة، ويمس مقراته الأمنية الأساسية (رمز هيبته واقتداره) لإخفاء جثث معارضين قضوا في التحقيق، ولا الرواية التي تسعى في إضفاء لبوس القاعدة على كل المعارضة السورية، تجعلنا من “مشتري هذه البضاعة الرديئة”.

لعمليات القاعدة، ومن هم على طرازها من فصائل ومجموعات، “بصمة خاصة”، تعرفها من “الأنماط” المستخدمة في مثل هذه العمليات...لكن ذلك لا يجعل القاعدة، متهماً وحيداً في عمليات دمشق الأخيرة...ذلك أن تطورات الأزمة السورية، أنتجت العشرات من المنظمات والمجموعات العسكرية المقاتلة، تقدرها تقارير استخبارية بأكثر من ثلاثين مجموعة، بعضها ينتمي لمدرسة القاعدة والسلفية الجهادية، وبعضها الآخر ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وكثير غيرها، لم تتضح بعد، هويته الإيديولوجية والسياسية بعد.

كلما طال أمد المواجهات الدامية في سوريا، كلما طرأ تبديل وتغيير في لون وهوية وطبيعة المعارضات السورية للنظام...وكلما طرأ تبدّل في أوزان وموازين القوى بين مكوناتها المختلفة...وكلما اشتد عنف النظام ضد معارضيه، كلما مال هؤلاء لتبني مواقف عنفية، والالتحاق بأكثر القوى تطرفاً، والوقوع في براثن إيديولوجيات أصولية متشددة...ولقد رصدت العديد من التقارير والدراسات، الغربية بخاصة، الكثير من مظاهر “التطرف” و”التطيّف” و”التمذهب” التي تنتشر في أوساط المعارضة السورية.

لم تبدأ الثورة السورية، كحركة إخوانية أو سلفية، ولم يكن للقاعدة شرف إطلاق “تظاهرتها” الأولى...لقد انطلقت كحركة شعبية سلمية ديمقراطية، قابلها النظام بالاستخدام المفرط للقوة، فكان ما كان من تحوّلات وتبدلات في مواقعها ومواقفها...وها نحن اليوم ننتهي إلى “كتائب” و”فصائل” تحمل أسماء سلفية مُعتادٌ تداولها في ساحات “الجهاد والاستشهاد”...ها نحن اليوم أمام مسميات وأسماء، تستحضر الفتنة الكبرى، بأسماء قادتها وخلفائها ومواقعها ورجالاتها...ها نحن اليوم أمام انزياح متدرج، ولكنه مستمر ومتواصل، صوب مصائر “ليبية” للمعارضة السورية، وهي مفارقة تستدعي الاستحضار والتذكير، فالذين ذكروا النظام السوري بمصير مماثل لمصير النظام الليبي، سبقوه إلى مصير يكاد يكون مشابهاً لمصائر المعارضات الليبية، التي ترواح بين العشائرية والجهوية و”الجهادية” إلى غير ما هناك من الشواهد الباعثة للقلق على مستقبل ليبيا.

وزاد الطين بلّة، أن داعمي المعارضة السورية بالمال والسلاح من العرب، هم الذين يروجون “للبديل الإسلامي، الإخواني والسلفي” في أوساطها، يدعمهم في ذلك إعلام قادر ومقتدر، خبير في “خلق القيادات وتركيبها وإسقاطها”، ويكاد يحصر ضيوفه ومحاوريه من بين رموز هذا التيار حصراً...حتى أن انشقاق هيثم المالح وصحبه عن المجلس الوطني السوري مؤخراً، قيل في تبريره أنه احتجاج على الدور المتزايد لهذه الأطراف، ورفضاً لاحتكار المال والسلاح في أيدي الإخوان والسلفيين، وتعبيراً للخشية من مغبة تحوّل هذه الأطراف المسلحة، إلى ميليشيات مرحلة ما بعد الأسد.

المعارضة تتساءل عن دلالات التوقيت في تنفيذ هذه الاعتداءات، إرهابية الشكل والمضمون، في محاولة منها للقول أن النظام يقدم على تنفيذ هذه الأفعال الشنعاء في كل مرة يقترب من استقبال وفد أممي أو عربي بمهمة رقابة أو لعرض مبادرة...النظام سبق وأن تساءل: ولماذا في كل مرة يجتمع فيها مجلس الأمن الدولي، تقترف فيها المجازر وتنسب للنظام وشبيحته؟ وبهدف تأليب المجتمع الدولي عليه، وتسهيل استصدار قرارات دولية تستعجل التسليح والتدخل العسكري...لا نهاية لحرب الاتهامات المتبادلة هذه...والأرجح أننا سنشاهد المزيد منها في قادمات الأيام.
 
(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات