إذا رجعت بجن وإن تركتك بشقى!

المدينة نيوز - بعض الكلمات تختصر حكايات، في قصيدة باللغة العامية للشاعر جوزيف حرب، غنتها فيروز، ثمة بيتان يرويان كل الحكاية..
إذا رجعت بجن وإن تركتك بشقى
لا قدرانة فل ولا قدرانة إبقى!
أحيانا لا تكون هنا، وبالطبع ليس هناك، كأنك تقيم في النصف الثالث، أو الضفة الثالثة، أذكر نكتة لمهووس، كان يقول أنه يود من أعماق نفسه أن يكون «هناك» فيسأل من حوله: أين أنا؟ فيقال له: أنت هنا، فيقول: أريد أن أكون هناك، فيذهب إلى هناك، ليعود للسؤال: أين أنا؟ فيقال له: أنت هنا! فيصرخ: نفسي أكون هناك!!.
هي كما يبدو نكتة، لكنها تختزل موقفا فلسفيا عميقا، حين تشعر باغتراب كامل عما حولك، ولا تستطيع إلا أن تكون في اللامكان!.
كم مرة شعرت أنك بحاجة لأن تطفىء كل شيء، وتكون «هناك» حيث لا شيء مما يربطك بـ»هنا» بكل ما فيه من تفاصيل؟.
منذ فترة شاهدت فيلما أجنبيا اسمه: تلفزيون إد/ أو Ed tv.
وهو يروي حكاية برنامج تلفزيوني من فئة تلفزيون الواقع، تقوم فكرته على اختيار شخص ما لترافقه الكاميرا في بث مباشر دائم وهو يمارس حياته الطبيعية، وفي البداية يستمتع الشخص بالدور ويندمج به، إلا أنه فيما بعد يشعر بعبء مرافقة الكاميرات له على مدار الساعة، حيث لا تغادره إلا حينما يذهب إلى الحمام فقط، ويشعر أنه بحاجة للاختفاء تماما، وينجح على نحو معين بالانسحاب بهدوء، ويطفىء كل شيء، ويعود إلى ضياعه السابق: نقطة في بحر هائج، لا يدري عنه أحد!.
بعضنا يمتلك شجاعة كبيرة لاختيار مسار مختلف تماما عن مسار حياته، ويفتح صفحة جديدة بالكامل، وكثير منا لا يجرؤون على التغيير!.
ثمن التغيير باهظ على كل الأحوال، خاصة إذا جاء فجائيا، لكنه غير مكلف إن جاء بالتوافق والتدرج، أشعر بقلق عميق من التغيير الذي يضرب حياتنا، سواء في الأردن، أو في غيره، فرحنا كثيرا حين هبت نسائم الربيع العربي، وغنينا ورقصنا ابتهاجا، ولم نزل، لكن الثمن كان باهظا، وانقلبت حياة الناس في غير مكان، رأسا على عقب، وفي الأثناء فقد القوم كثيرا من سكينتهم واطمئنانهم، وخرجت أفاع وزواحف من جحورها، مستثمرة جو «التغيير» وربما أفسدت حلاوته، إن لم نكن قلبتها علقما!.
من النادر أن تسمع «جنرالا» عربيا ببزة عسكرية، يخرج عليك، ليحدثك عن «حماية» الحراك الشعبي، كواجب وطني من صلب عمله، مدير الأمن العام الفريق الركن حسين المجالي كشف لنا عن رقم مذهل، حين قال في مؤتمره الصحفي الأخير، عن كلفة حماية «حراكات التغيير والعبير» والبالغة نحو 28 مليونا و700 ألف دينار، هل ثمة طريقة أخرى لحل معضلة هذا الحراك، بعيدا عن حيرة جوزيف حرب؟.
(الدستور)