ربيع الإسلام

لم يواجه دين سماوي على مر التاريخ البشري ما واجهه الإسلام من حملات تشويه وحرب ومناهضة استعرت حدتها في السنوات الأخيرة فيما يعرف بالحرب على الإرهاب، التي تم ربطها بالإسلام باعتباره دينا يشجّع على العنف والكراهية! ولقد انقسم دور الإعلام والكتّاب والمؤرخين، فمنهم من ساهم في إزالة الغشاوة وتوضيح صورة الإسلام، ومنهم من تقصّد صبّ النار على الزيت وزيادة التضليل لخدمة أهداف استعمارية واقتصادية وثقافية لا تخلو من أسباب دينية كما وصفها بوش صراحة بالحروب الصليبية.
ومن المؤرخين الذين أنصفوا الإسلام الدكتور جون اسبيزتو مدير مركز الوليد بن طلال للحوار الإسلامي المسيحي في جامعة جورج تاون الذي قال: “لماذا نتساءل دائما على العنف في الإسلام ولا نطرح ذات السؤال عند الحديث عن النصرانية واليهودية، حتى نعلم أنّ الأمر نسبي ولجميع الأديان نصيبها من معادلة القوة والصراع؟! نحن الغربيون النصارى واليهود لسنا أفضل من المسلمين، فلدينا عقيدة الكراهية والإقصاء الخاصة بنا!”
وزاد على ذلك البروفيسور فيليب جنكنز بالقول أنّ “الإنجيل المتداول الآن قد يكون أكثر عنفا من القرآن (هذا مع التحفُّظ على وصف الكتب السماوية بالعنف)، فهو يزخر بنصوص الإرهاب التي تمدح وتحثّ على القتل”. بل لقد ذهب إلى حد القول مع الأستاذة فيليس تربل أنّ النصرانية واليهودية هي أديان تقترب من الحالة البربرية في عدم احترام حق الحياة والتوسُّع في العقاب والقتل!
ويمضي إلى الاستشهاد بالعهد القديم بقصة الغزو اليهودي للكنعانيين عام 1200 قبل الميلاد، والتي يقارب وصفها ما يعرف الآن بالإبادة الجماعية، حيث قال الرب لموسى “لقد أعطيتك هذه الأرض كميراث فلا تُبقي فيها أيّ شيء يتنفّس ودمّرها وقتّل أهلها”، وقد طُبّق هذا التقتيل مرة أخرى في الحروب الصليبية، حيث تذكر مصادر التاريخ أنّ الجنود الصليبيين ذبحوا أغلب سكان المدينة المقدسة!
ولمعالجة ما يصفونه بالعنف المستشري في الإنجيل، وبما أنّ النص عندهم غير مقدّس، فقد سعى رجال الدين في مراجعات العهد الجديد على حذف النصوص التي تغري بالعنف وتم التركيز على إبراز النواحي العاطفية والجمالية للكتاب المقدّس.
ولم يكتفوا بتجميل عقيدتهم، بل سعوا أيضا إلى تشويه عقيدة غيرهم، وبالذات الإسلام، حتى يضمنوا السيطرة الدينية والفكرية والثقافية على المجتمعات، وركّزوا على آيات وأحاديث القتال في القرآن والسنة وفسّروها خارج السياق، مستشهدين بالتاريخ الإسلامي الذي عانى من الحروب بعد وفاة المصطفى صلى الله عليه وسلّم بدءا بحروب الردة، وتجاهلوا أثناء حديثهم وكتاباتهم عن الإسلام السياق المتصل من آيات الرحمة والعهد وآداب الحرب وحقوق الأسرى التي تبيّن أنّ حق الرحمة في الإسلام مقدَّم وسابق لحد السيف.
أمّا المنصفين فتمثّلهم كارن أرمسترونغ مؤلفة “القدس مدينة واحدة وعقائد ثلاث”، حيث قالت: “إنّ هناك عنفا في الإنجيل أضعاف ما في غيره من الكتب، وفكرة أنّ الإسلام فرض نفسه وانتشر بالسيف ما هي إلاّ تلفيقة نشرها الصليبيون الذين شنّوا حربا عنيفة ضد الإسلام في المقام الأول”.
ليس الهدف من هذا العرض لآراء بعض المؤرخين بيان تفوُّق الإسلام، وإن كان متفوّقا كونه الدين الخاتم، على غيره من الأديان السماوية، فالذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وعيسى عليه السلام صدر من مشكاة واحدة كما قال النجاشي، بل إنّ الأديان والأنبياء والكتب كلها تنتمي للإسلام، وهذا ما أثبته إنجيل برنابا، وما تحرّف بعدهم ومن ضلّ بعدهم لا يُنسب إليهم، ولكن هذا العرض للرد على غلاة الغربيين الذين يتّهمون الإسلام بالعنف بأفواه وأقلام ودراسات نظرائهم من الغرب.
لقد قالها عبد المطلب، جد رسول الله صلى الله عليه وسلم، صدقا واستشرافا يوم استهدف الدين: إنّ للبيت رب يحميه، وللدين رب يحميه، وهو الذي يقيّض له سبحانه من يدافعون عنه من أبنائه وغيرهم، وهو سبحانه الذي يمدّ ويبسط له في الأرض بالرغم من الكيد لدرجة جعلت صحيفة الإندبندنت تجري تحقيقا استقصائيا بعنوان “أسلمة بريطانيا: تزايُد غير مسبوق لمن يعتنقون الإسلام”.
ويبيّن التحقيق أنّ عدد معتنقي الإسلام في بريطانيا قد تضاعف خلال العشر سنوات الماضية، وبالرغم من تعرُّض الإسلام لحملات عنيفة من التشويه، حيث أنّ 62 في الئمة مما يُكتب في الصحافة ويُنشر في الإعلام يربط بين الإسلام والإرهاب، إلاّ أنّ ذلك لم يوقف بحال من الأحوال الزيادة المطردة في أعداد من يعتنقون الإسلام، حيث يصل عددهم إلى 5200 بريطاني سنويا، ومئة ألف في العقد الماضي، ويعزو الباحثون تصاعد عدد معتنقي الإسلام في بريطانيا إلى انتشار الإسلام في المجتمع عبر الجمعيات الطلابية والخيرية وفي العمل العام، ناهيك أنّ الإسلام سدّ ثغرة الخواء الروحي التي يعاني منها البريطانيون، على حد تعبير بعضهم، ووفّر لهم شعورا بالسكينة والطمأنينة والتعالي على المادية واللهو، والتشجيع على طلب العلم والعمل بإخلاص لخدمة البشرية دون تخصيص.
لقد أزهر ربيع الإسلام في الغرب بالرغم من الأشواك المحيطة به، أَفلَم يأن له أن يزهر في أرضه وقلوب أبنائه عودة والتزاما وتطبيقا؟! (السبيل)