إسرائيل العنصرية

يبدو ـ كما قال أحد الكتّاب الإسرائيليين ـ أن شهر آذار نذير شؤم على مجمل سياسة حكومة نتنياهو اليمينية وسياساتها العنصرية؛ فبعد الفشل الفاقع الذي مُنيت به وزارة الخارجية الإسرائيلية في اجتماع الدول المانحة لفلسطين يوم 21/آذار/2012 في بروكسل، وإقرار المانحين ضرورة تقديم مليار دولار للسلطة الوطنية الفلسطينية، وأعقبه قرار واشنطن إلغاء تعليق تقديم المساعدات من قبل إحدى لجان الكونغرس، إلى قرار لجنة حقوق الإنسان في جنيف يوم 23 آذار، المتضمّن تشكيل لجنة تحقيق مستقلة لدراسة آثار بناء المستوطنات الإسرائيلية على الأرض المحتلة، وتداعيات ذلك على حقوق الفلسطينيين المعيشية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا يتم لأول مرة، مما دفع إسرائيل إلى اتخاذ قرار بمقاطعة لجنة حقوق الإنسان ومنع لجنتها المستقلة من زيارة فلسطين، بعد كل هذا والذي اعتُبر بمثابة لطمات متكررة تدريجية من قبل المجتمع الدولي للسياسة الإسرائيلية، جاءت اللطمة الرابعة من لجنة أخرى لموضوع آخر لا يقل أهميةً وتأثيراً عن القرارات الثلاثة الصادرة عن بروكسل وواشنطن وجنيف.
فقد جاء قرار لجنة الأمم المتحدة لمكافحة التمييز، وهي لجنة أممية أخرى غير لجنة المجلس العالمي لحقوق الإنسان، التي اتخذت قراراً بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة حول الاستيطان وآثاره التدميرية على الشعب الفلسطيني في الضفة بما فيها القدس الشرقية.
لجنة الأمم المتحدة لمكافحة التمييز وجهت لطمةً قويةً ستهزّ مكانة إسرائيل الأخلاقية، وتمس مكانتها الدولية، وخاصةً قضايا حقوق الإنسان، ليس باتجاه سياستها الاستعمارية في احتلالها لأرض وشعب آخر هو الشعب الفلسطيني في مناطق الضفة والقدس والقطاع، بل نحو سياستها الداخلية وفي كيفية تعاملها مع مواطنيها الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية من المواطنين العرب الفلسطينيين الذين بقوا على أرض بلادهم منذ العام 1948 في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة.
فقد قررت لجنة الأمم المتحدة لمكافحة التمييز، مطالبة الحكومة الإسرائيلية بوقف سياسة التمييز العنصري ضد مواطنيها العرب والذين يشكلون حوالي خُمس سكان "دولة إسرائيل "، وذلك بعد أن بحثت اللجنة مدى التزام إسرائيل بالميثاق الدولي للقضاء على التمييز ومدى تطبيق معاييره، طالما أن إسرائيل سبق لها أن وقعت على المعاهدة الدولية لمكافحة التمييز، ومدى امتثالها لبنود ونصوص تلك المعاهدة الصادرة عام 1979.
اجتماع لجنة الأمم المتحدة لمكافحة التمييز المكرس لبحث السياسة الإسرائيلية الداخلية وكيفية تعاملها مع مواطنيها، تم بناءً على خلفية مذكرة قدمها مركز عدالة الإسرائيلي إلى اللجنة في كانون الأول من العام 2011، والذي تطرق فيها إلى عدم امتثال إسرائيل لبنود المعاهدة الدولية لمكافحة التمييز، مستنداً في تقريره إلى تشخيص التمييز المنهجي الذي تمارسه إسرائيل نحو مواطنيها العرب، والأدهى من تقرير المركز ومضمونه أن الذي أعد التقرير وقدمه إلى لجنة الأمم المتحدة في نهاية العام 2011، محامية يهودية إسرائيلية، هي المحامية أورنا كوهين، المفوضة من مركز عدالة، مما ترك أثره البالغ على أعضاء اللجنة، اعتماداً على دقته وعدم قدرة الجانب الإسرائيلي على دحضه أو التبرؤ من وقائعه ووثائقه، وكذلك شاركت المحامية أورنا كوهين ـ ومثلت مركز عدالة ـ في اجتماعات لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري، واستمعت الاجتماعات ـ التي عقدت من 14 حتى 16 شباط 2012، في مقر اللجنة في جنيف، والتي انعقدت لمراجعة التزام إسرائيل بواجباتها تجاه حقوق الإنسان بموجب الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري ـ إلى شهادتها.