جمعة مشفوعة بطي ملف الأذى الوطني

كان من المفترض أن تكون هذه الجمعة مشمسة في المحافظات , يخرج الناس فيها للتنزه بعد موسم مطري خزّنهم في البيوت طويلا , وكان على رجل الأسرة ان يرتدي دشداشة الصلاة بعد ان يعود من السوق حاملا دجاجة الجمعة , على أمل أكل المقلوبة في الهواء الطلق , وتناول سلطة الخس المنداح على الطرقات .
كان المأمول ان يأكل الصغير مع شقيقه ما تيسر من اللوز الاخضر وان يختلس من الاغوار بعض الدفء , وكانت الأمهات على موعد مع استقبال ابناء غابوا لبرهة بعد مخالفة في مواقيت العشق الوطني ودون اختلاف على التوقيت , فأشرعت الأم كل الأغطية وأخرجت فرشة الصوف وفردتها على تخت حديدي صمت طويلا لغياب النائم على برش .
لم نألف القسوة ولا الهتاف المؤذي للمشاعر والوجدان , ولن نألف أكل لحمنا نيّئا , واكل لحم الوطن المشوي على نار التوقيف والهتاف البغيض , ولا نريد ان تلوك بعض الافواه الموتورة , لحم شبابنا ويبكون عليهم من قسوة التعذيب , في محاولة استنساخ تجربة الجوار في التعذيب والقتل الممنهج .
هناك من يبكي دموع التماسيح على شباب مقموع , أدمت يداه كلبشات الأمن وشجّت رأسه هراوة , وكأن الحال السلمي الذي عشناه طوال عام وأكثر كان مجرد مسرحية , أو لعبة لاستدراج الناس الى مسامير الشيك المدببة كي ينغرس في لحمهم الطري .
طوال عام وأكثر ونحن نتغنى بسلمية الحراكات وسلمية الهتاف وهدوء رجل الأمن وحمله علب العصير وكؤوس المياه للمتظاهرين , ونعرف ان هذا هو ديدن الاردن وقيادته وشعبه , ونريد ان يستمر هذا الغناء ليصبح اهزوجة وطن تتغنى بالقضاضة والجباه السمر والدحنون والقيسوم والزعتر .
نعلم بيقين ان الهتاف كان مغبّرا بشحار مندسين وفاسدين وممولين للدفاع عن فسادهم عبر تأجيج الحالة الداخلية , ونعلم ان هذا الهتاف كان ملحا على شمسنا, ونعلم بيقين مستقر في الوجدان ان الدولة عاشت على السماحة وبها, حتى اصبح الملك أخا وصديقا وأبا , نجور عليه ولا يجور علينا, لأننا نختلف به ولا نختلف عليه, من أقصى يميننا الى أقصى يسارنا .
ثمة من يقوم بتحويل شباب الى ألغام صوتية نشاز, وثمة من اسرف في الوعود لهم من الرسميين والسابقين من النواب والفاسدين , ولكننا على يقين بأنهم عاتبون وغاضبون لا حاقدون على وطنهم وقيادتهم , ويراهنون وهم على حق, بأن الفرج آت على ايدي الملك , أبيهم وأخيهم وصديقهم الصدوق ومن يراجع ما قاله الشاب عمر داودية يعرف ان هذا هو نبراس شبابنا وملهم خيالهم واحلامهم .
كثير من الحراكيين ان لم يكن غالبيتهم العظمى , يخرجون من أجل أردن أحلى وأبهى , ويريدون ايصال صوتهم للملك , ضمانة الإصلاح وقائد المسيرة , ولا يحملون مخالفة في العشق او يستنشقون غير الهوى الجنوبي والشمالي وتنشرح صدورهم إذا ما لامس هواء الغرب شغاف قلوبهم , فالقدس بوصلة الأردني وعمان مهوى فؤاده .
جلالة الملك, هناك من يحاول أن يفسد ربيعنا الأردني بحجج مخالفة الشباب لشروط الهوى الوطني , وهناك من يحاول قطع الجسور الواصلة اليك , ولهم حججهم وأساليبهم وأهدافهم , لكنهم لن ينجحوا, فنحن بوصلتنا الوطن أولا كما تقول دائما , وهم على أمل المشاركة من جديد بربيع الأردن وربيع الجمعة المبدوءة بالاذان والمختومة بالدعاء لك , ان يحفظك ويرزقك البطانة الصالحة .