الخطيئة الحقيقية

ما هي الخطيئة الحقيقية لغونتر غراس?
ان يقول ان اسرائيل تمتلك السلاح النووي? ان يعارض ضرب ايران لمجرد الشك في امتلاكها هذا السلاح?
ان يؤشر الى ان اسرائيل تشكل خطرا على السلام? ان يقول انها قوة نووية غير منضبطة تتصرف بطريقة استبدادية?
كل هذا قيل سابقا, وبتعابير اشد واقوى, ومن قبل شخصيات اوروبية وامريكية. ولم يصل الامر حد منعها من دخول اسرائيل, كما لم تصل الحملة التي شنت ضدها ما وصلته الان ضد غراس. رغم ان ردة فعله على قرار المنع, حرصت على نعت اسرائيل بالدولة الديمقراطية وعلى التذكير بالاوقات الطيبة التي قضاها في الدولة العبرية. وحتى عندما انتقد القرار قارنه بقرار منعه سابقا من دخول المانيا الشرقية او بورما. بمعنى ان المأخذ الذي يسجله, هو على انعدام الديمقراطية لكنه لا يصل ابدا حد تهمة اللاشرعية او العنصرية.
اذاً اين يكمن الذنب الذي لا يغتفر لهذا الالماني المعروف بعشقه لليمن, وانفاقه ملايين الدولارات على ترميم اثارها?
سؤال لا يمكن الاجابة عنه الا بقراءة متمعنة للقصيدة التي اثارت الضجة. فالمهم فيها, لمن يعرف السياق الالماني - اليهودي, ليس كل الاعتراضات التي اوردناها اعلاه وركز عليها الاعلام العربي. بل تجرؤ اي الماني على الخروج على عقدة الذنب ازاء اليهود, الخروج على الصمت المفروض بالقوة. فغراس يعطي قصيدته عنوان : ما يجب قوله. ويبدأها بالتساؤل ما هو الاسم الذي لا اتجرا على لفظه? الدولة التي لا اتجرا على اتهامها? ويخلص الى انه اصبح من الواجب الخروج من هذه العقدة وهذا الخوف وتسمية الاشياء باسمائها.
بذا يكسر غراس عقدة تكميم الافواه الالمانية, وعدم المساس بقدسية عقدة الذنب وما تستوجبه من تعويضات, قال عنها ناحوم غولدمان يوما : لولا التعويضات الالمانية لما تمكنا من بناء اسرائيل. هذا اضافة الى التعويضات السياسية التي لا تعرف حدا ولا نهاية ولا يتجرا اي الماني على انتقادها.
الدليل الواضح على هذا البعد في قصيدة غراس, هو اشارته الى الغواصة الثانية التي تتجه من المانيا الى اسرائيل, فلماذا الثانية? لانها الثانية في عداد غواصتين عسكريتين كانت اخر ما اقر من تعويضات المانية للدولة العبرية في السنوات الاخيرة.
هنا يكمن مربط الفرس, فممنوع على اي الماني او فرنسي او اوروبي ( بالترتيب ) الخروج من عقدة الذنب, ممنوع الاقتراب من البقرة الحلوب التي ترضع الدولة, وترضع تبرير كل جرائمها, كما ترضع الهيمنة اليهودية في العالم. وغراس ليس في ذلك اول الماني يتعرض للاضطهاد والتشويه لمجرد قوله ان الاجيال الجديدة لا تتحمل ذنب ما اقترفته اجيال 1945 .
بعد صبرا وشاتيلا قال شارون : اتركوني اقتل مليون عربي فلسطيني, فاحل لكم المشكلة, وبعد اجيال يأتي كاتب يهودي يعتذر عما فعلت كما اعتذر غونتر غراس عن المانيا النازية, ويأخذ جائزة نوبل.
اذا فلا الاعتذار ولا الاتهام ينفعان... ما ينفع هو الابتزاز ولا رحمة لمن يتعرض له. (العرب اليوم)