كن فأرا أو مت فقرا

قال لي إنه لاحظ تغيرات لافتة على شقيقه، فجسده مليء بثقوب الإبر، وصحته ليست على ما لا يرام، وحين سأله، قال إنه «يعمل» منذ أربع سنوات مع شركة دراسات دوائية بإشراف وزارة الصحة، حينما استمعت لهذه المكالمة، تذكرت موقفا مر بي ليس بالبعيد، حين قال لي أحد الأصدقاء من الوزراء السابقين إنه رفض المصادقة على قانون بهذا الشأن، ووضع موافقته في كفة وفي الكفة الأخرى الوظيفة، وما حدث أنه أخرج من الوزارة في أول تعديل، وتم سن قانون إجراء الدراسات الدوائية ( قانون مؤقت ) رقم 2001 / 67 وهو الآن نافذ المفعول..
ونقرأ في الفقرة ب من المادة رقم 9 من هذا القانون ما يلي: تتحمل الجهة التي تقوم بإجراء الدراسة المسؤولية القانونية عن أي ضرر قد يلحق بالمتطوع./ وهنا يجب أن نضع مائة خط أحمر تحت كلمة «قانونية» حيث تعمد مؤسسة الدراسات الدوائية لدفع المتطوع بجسده لإجراء التجارب عليه إلى التوقيع على ورقة تعفي المؤسسة من أية تبعات قد تلحق به جراء تجريب الدواء عليه، وبهذا المعنى فهي ليست مسؤولة قانونا عن أية مضاعفات عاجلة أو آجلة تلحق بالمتطوع(!) ولربما تكون هذه المادة بالذات هي التي دفعت صاحبنا الوزير السابق لرفض تمرير القانون، فمرروه في غيابه، بدعوى أن عدم تمرير القانون سيحرم الأردن من ملايين الاستثمارات، ويبدو أن وراء الأكمة ما وراءها ما يستحق تحقيقا استقصائيا يكشف لنا جوانب هذه القضية، حيث يدفع الفقر بشبابنا إلى أن يتحولوا لفئران تجارب، بخاصة من أبناء المخيمات والقرى والتجمعات الأشد فقران حيث تشيع مثل هذه الوظيفة، ويسهل اصطياد «الضحايا» الذين يتقاضى الواحد منهم نحو مائتي دينار في الشهر مقابل تحوله لمادة لتجريب الأدوية الجديدة ودراسة مضاعفاتها!
من المهم هنا أن نعرف أن المراكز الدوائية في الأردن مرخصة من المؤسسة العامة للغذاء والدواء وعددها 7 مراكز، والأردن الدولة الوحيدة التي لديها قانون في التجارب والدراسات السريرية، وقد كانت هذه المسألة عرضة للنقاش في غير مؤتمر، حيث روى متطوعون تجاربهم بهذا الخصوص، وأكدت كلها أن الحاجة للمال والعوز هي التي دفعتهم لخوض هذه التجربة، حيث يقول أحدهم: «علمت بفتح باب التقديم لهذه الدراسات من أحد أصدقائي، وكان هدفي من المشاركة هو دفع أقساطي الجامعية.. شاركت كمتطوع في 5 دراسات، ولم يحدث أي ضرر لي، ودفعت أقساط الجامعة والحمد لله».
ويقول آخر: «السبب الرئيس في التحاقي كمتطوع في الدراسات الدوائية هو الأوضاع الاقتصادية السيئة.. كان أمامي خياران، إما أن أسرق أو أتسول، ولكن أخلاقي لا تسمح بهذا؛ لذلك لجأت إلى التطوع في الدراسات الدوائية لأساعد نفسي وأهلي، ولا عيب في ذلك».
طبعا هذا الشكل من «التجارة» البائسة مستورد من الغرب، حيث تقول المعلومات إن هناك أكثر من 1500 متطوع في أوروبا، ينخرطون في تجارب على الأدوية تقوم الشركات الصيدلانية، في كل من فرنسا والنمسا وسويسرا وغيرها بالإعلان عنها على الصحف الورقية والالكترونية. وتصل مكافأة كل متطوع حتى 1200 يورو مقابل انعزاله، طوال أربعة أيام، في أحد مراكز البحث الطبي، التابعة لهذه الشركات، على أن يقوم بـ»بلع» أدوية، بوشرت التجارب عليها للاستعمال الطبي البشري.
وبالنسبة إلى المتطوعين المحتاجين لبعض النقود فإنها فترة استجمام ونقاهة صيدلانية مقابل الخضوع لفحوص مجانية، قد تؤدي للموت، بيد أن الحاجة للمال هي الأقوى، كما يقول أحد التقارير!
أخيرا، سأستعير عنوان إحدى المقالات التي كتبت عن هذا الموضوع قبل سنوات، لتصف حال «المتطوع» حين يقول: متطوعو تجارب الدواء: كن فأرا أو مت فقرا! والله المستعان..