حكومة انتقاليَّة ببرنامج طويل

تعترف الحكومة الجديدة, في ردِّها على كتاب تكليفها, بكونها حكومة انتقاليَّة. والحكومة الانتقاليَّة تتشكَّل, عادةً, لإنجاز مهمّة محدَّدة خلال مدَّة محدودة. ومهمّة حكومة الدكتور فايز الطراونة, كما هو واضح, هي العمل مع مجلس النوّاب مِنْ أجل إنجاز قانون الانتخاب, خلال شهرين هي مدَّة التمديد لمجلس النوّاب.
مِنْ هنا يبدو غريباً ما ورد, في ردِّ الحكومة نفسه, مِنْ حديثٍ عن تعهّدها بالاضطلاع بعددٍ من المهمّات الكبيرة وحلّ المشكلات المرتبطة بها. ومِنْ ضمن ذلك, تعهّدها بتبنِّي "سياسات وبرامج إصلاح اقتصاديَّة وتنمويَّة مِنْ أجل زيادة النشاط الاقتصاديّ ومعالجة الاختناقات الاقتصاديَّة والماليَّة التي تواجهها الماليَّة العامَّة للدولة"; ومنه, أيضاً, إعادة النظر في سياسة دعم الموادّ الأساسيَّة.. وهو ما يُتُوقَّع أنْ يتوافق مع توجّهات الليبراليين الجدد القائمة على تحميل أعباء سياساتهم الاقتصاديَّة الجائرة للفئات الشعبيَّة ومحدودي الدخل. وتعهَّدتْ الحكومة, كذلك, بأنْ تولي "اهتماماً خاصّاً ومتابعة مكثَّفة مع مجلس الأمّة لإقرار قانون الضمان الاجتماعيّ المؤقَّت"; مع أنَّ هذا القانون, بصيغته الموجودة لدى مجلس النوّاب, موضع رفض عامّ من العمّال ومن النقابات المهنيَّة ومِنْ غالبيَّة المشتركين; ويطالب أغلب هؤلاء بردِّه. كما تعهَّدت الحكومة, كذلك, بأنْ "تولي اهتماماً خاصَّاً بالمحافظات عن طريق صندوق تنمية المحافظات, ممَّا يساهم - حسب قولها - في توزيع عوائد التنمية دون التركيز على أماكن محدَّدة لغايات تنمية عادلة تعمّ جميع محافظات المملكة, لا سيِّما المحافظات التي تحتاج عناية خاصّة", وحيث انَّه لا وقت كافيا, لدى الحكومة, لتنفيذ هذا التعهّد, الذي يحتاج, كما تشير الحكومة بنفسها, إلى وضع أطرٍ قانونيَّة وتنظيميَّة, فإنَّه يصبح مجرَّد محاولة لكسب الوقت ريثما تبدأ مرحلة الانتخابات النيابيَّة وينشغل الجميع بها.
بيد أنَّ هناك جانباً آخر لهذه الصورة; هو كون العديد مِنْ مطالب الحراك الشعبيّ, خصوصاً المطالب ذات البعد الاجتماعيّ الاقتصاديّ, أصبح يجد له مكاناً في برامج الحكومات; حتَّى إنْ كانت ليست جادَّة في تلبيته. مِنْ هذه المطالب: مطلب إنصاف المحافظات وشمولها ببرامج التنمية.. الذي سبقتْ الإشارة إليه; ومنها, أيضاً, "ضبط إيقاع حجم المديونيَّة الداخليَّة والخارجيَّة والعمل على عدم الوصول بها إلى الخطوط الحمراء"; وكذلك, "إعادة النظر في قانون ضريبة الدخل وتطبيق القاعدة الدستوريَّة القاضية بالضريبة التصاعديَّة".. الخ. بيد أنَّ الغائب الأكبر عن ردّ الحكومة هو التجاوب مع مطالبة الناس بوقف سياسة بيع الأصول الاقتصاديَّة الوطنيَّة وموارد الدولة الأساسيَّة, واستعادة ما تمَّ بيعه (أو نهبه) منها.
هناك إشارة أخرى مقلقة, تتعلَّق بالإعلام تحديداً; حيث ورد في ردّ الحكومة كلامٌ غامضٌ وعامّ عن "تنقية الإعلام من الإثارة السلبيَّة وأيّ ممارسة مهما كانت محدودة تسيء إلى صورة الوطن وإنجازات أبنائه واغتيال شخصيَّاتهم"!
فما هي "الإثارة السلبيَّة" بالتحديد? وما هي "الممارسة التي تسيء إلى صورة الوطن وإنجازات أبنائه واغتيال شخصيَّاتهم"? وكيف يمكن تمييز النقد من اغتيال الشخصيَّة.. خصوصاً إذا كان المستهدف به شخصا عامّا في موقع المسؤوليَّة واتِّخاذ القرار? مثل هذه الصيغ, في حال صيغت القوانين وفقها, ستكون سلاحاً طيِّعاً بيد الحكومات تستخدمه ضدَّ خصومها متى شاءت وعلى النحو الذي ترى أنَّه يخدمها.
وللأمانة, فقد ورد مثل هذه الإشارة المقلقة, بشأن حريَّة التعبير, بصيغ مختلفة, في خطاب الحكومات, جميعها, خلال السنوات الأخيرة. ولكنّ هذا أصبح يمثِّل توجّهاً غير واقعيّ, بالمرَّة, في ضوء التطوّرات الهائلة التي طرأتْ على تكنولوجيا الإعلام والاتِّصال, خلال العقد الأخير. كما أنَّه يقود إلى أزماتٍ وتوتّراتٍ لا ضرورة لها ولا فائدة تُجنى منها. ( العرب اليوم )